فيهما، وهو نوع من المجاز المرسل معروف علاقته المحلية. واللام للتوكيد والعذاب مشتق من الحبس والمنع، ومنه استعذاب الماء: حبسه حتى يطيب للشارب أو لمنعه العطش، ثم استعمل في كل ما يؤلم الإنسان، قال تعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يعني الزانيين، والعقوبة تمنع معاودة الذنب، والمراد هنا عذاب القبر في البرزخ أعاذنا الله منه. وقوله:(ما يعذبان في كبير) وفي رواية "بلى إنه لكبير" ولا معارضة؛ فإنه ليس بكبير على النفس فعل ما أوجب تركه هذا العذاب ولا ترك ما أوجبه فعله، فهو كبير بالنسبة لما ترتب عليه من العذاب، غير كبير بالنسبة لأن التحفظ من البول وترك النميمة أمران لا يشق فيهما الفعل والترك، فهو كبير من حيث الإثم وليس مما يشق فيه الفعل أو الترك. ونقل السيوطي عن البوني احتمال كونه ظن أنه غير كبير، فأوحي إليه أنه كبير، وهو عندي بعيد، وظاهر الاستدراك يدل على بُعده كسائر الأقوال الأخر التي نقلها على سبيل الاحتمال، والله أعلم. والبوني اسمه عبد الملك.
وقوله:(أما) حرف شرط وتوكيد وتفصيل، والفاء لازمة في جوابها، وذكر سيبويه أنها بمثابة: مهما يكن من شيء، ولذا قال ابن مالك معتمدًا على قول سيبويه المذكور، ومبينًا أن حذف الفاء قليل إذا لم يضمر القول معها:
أما كمهما يك من شيء وفا ... لتلو تلوها وجوبًا ألفا
فالفاء لازمة عند عدم إضمار القول، وحذفها مسموع وهو قليل، كقول الشاعر:
أما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيرا في عراض المواكب
أي: تسيرون سيرًا.
وإليه أشار ابن مالك -رحمه الله- بقوله:
وحذف ذي الفا قل في نثر إذا ... لم يك قول معها قد نبذا
أما مع إضمار القول معها فهو مقيس، كما في قوله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أي: فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم، فحذف القول وتبعه الفاء الداخلة عليه، وقد يجوز في التبع ما لا يجوز في الاستقلال ومن أمثلته في الشرع: أن الشخص لو صلى عن غيره استقلالًا لا تجوز صلاته، وإذا حج عنه فهو يصلي ركعتين للطواف عنه تبعًا للطواف