للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على الخير إلا في هذه المرة، أو ما ورد في حديث جابر الطويل في آخر مسلم، وكلاهما محمول على الخصوصية. وأما قراءة القرآن على الميت فسيأتي الكلام عليها -إن شاء الله تعالى-. والصحيح في التعليل لهذا الفعل: أنه - صلى الله عليه وسلم - شفع لهذين المقبورين فخفف الله عنهما، وجعل مدة التخفيف عليهما تنتهي بيبس الجريدتين، والله أعلم. ولا يمنع ذلك كون (لعل) في الأصل للترجي والتوقع، لأنها إذا كانت من الله تعالى في مقام الإطماع كانت واجبة الوقوع، وهكذا هنا الظاهر أنه لم يقل ذلك إلا بوعد من الله له.

ما روي عن بريدة - رضي الله عنه - من أنه وصى أن يجعل على قبره جريدة؛ فهو فعل صحابي فيما فيه مجال للرأي، ولم يصح ذلك عن أحد منهم غيره. وقد تقرر في الأصول أن قول الصحابي فيما فيه مجال للرأي؛ لا يعطى حكم الرفع، وهذا من قبيل ذلك والله أعلم.

• الأحكام والفوائد

الحديث دليل ظاهر على إثبات عذاب القبر، كما دلت أحاديث أخر على إثبات نعيمه، فهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. وفيه معجزة ظاهرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أطلعه الله على حال المقبورين وسبب عذابهما، والظاهر أنهما مسلمان، ويدل على ذلك تعليل العذاب بالأمرين المذكورين، لأنهما لو كانا كافرين لكان عذابهما لكفرهما، وذلك يدل على أن القصة كانت بالمدينة، وكون ابن عباس حضر ذلك يدل على تأخر القصة، وعند ابن ماجه: "بقبرين جديدين" وهو يدفع رواية الشك كما في البخاري: "من حيطان المدينة أو مكة". وفيه أن التهاون بالمعاصي لا ينبغي للمسلم، وفيه قبح هاتين الخصلتين وأنهما يسببان عذاب القبر، وفيه حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخير، وشفاعته لهما تدل على أنهما مسلمان. قلت: وقد يقال إن شفاعته لهما لا تستلزم ذلك، ويكون من باب الخصوصية لتظهر هذه المعجزة، ولينبّه أصحابه على عظم إثم هذين الفعلين، وقد فعل - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا الفعل كما ثبت في حديث جابر الطويل في آخر صحيح مسلم. لكن يشكل عليه النهي عن الشفاعة للمشركين، وقد يجاب باحتمال أنهما كان ممن مات على شريعة موسى أو عيسى قبل التبديل أو غيرهما من الشرائع، لأن الحكم عليهما بالإِسلام يبعده

<<  <  ج: ص:  >  >>