للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بين الناس، ولهذا وجب تكذيبه إذا لم يكن لمصلحة شرعية كما يأتي إن شاء الله، قال تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الآية.

وقوله: (ثم دعا) تقدم الكلام على ثم في حديث رقم ٤، ودعا: أي طلب، والباء في قوله: (بعسيب) إما لتضمين دعا معنى أمر، أو لأن طلبه من أحد من أصحابه أمر له، أي: أمر بإحضار عسيب، والعسيب: جريدة النخل التي نزع خوصها، قال الشاعر:

وقل لها مني على بعد دارها ... قنا النخل أو يهدي إليك عسيب

وقال امرؤ القيس:

لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخط زبور في عسيب يماني

وعسيب: اسم جبل بعينه، كما في قوله أيضًا:

أجارتنا إن الخطوب تنوب ... وإني مقيم ما أقام عسيب

ويقال لعظم الذنب وظهر القدم وشق في الجبل. وقوله: (رطب) أي: أخضر، صفة لعسيب وهو ضد اليابس، وقوله: (فشقه) الفاء هي التي يسميها بعض النحويين الفصيحة لأنها تدل على محذوف، أي فأُتي به فشقه، والباء زائدة أي: قسمه على نصفين وقوله: (فغرز) أي نصب وثبّت في الأرض على كل من القبرين أحد النصفين المذكورين. وقوله (لعله) تقدم الكلام على "لعل"، والهاء للعذاب أي: العذاب المدلول عليه بقوله (يعذبان .. ). وقوله: (يخفف عنهما) أي عن المقبورين، وقوله: (ما لم ييبسا): ما مصدرية ظرفية أي مدة كون النصفين لم ييبسا، ويحتمل أن الضمير في "لعل" ضمير الشأن. وقد اختلف العلماء في وجه ذلك، فقيل: إنما فعل ذلك لأن الرطب من النبات يسبِّح، فتسبيحه يكون سببًا لتخفيف العذاب عن صاحبي القبرين، وقائل هذه المقالة يستدل بها على أن الميت ينتفع بالذكر عنده وقراءة القرآن له، وهذا الوجه ضعيف. أما أولًا: فلأن التسبيح من الجماد لا يخص الأخضر، بل اليابس وغيره يسبّح على وجه الله أعلم به، كما هو ظاهر قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} فشمل اليابس والأخضر وثانيًا: أنه لو كان الأمر كذلك؛ لكان هذا الفعل على كل مقبور سنة ليحصل له هذا الفضل الحاصل من تسبيح الأخضر، وعدم نقل ذلك عنه ولا عن أحد من أصحابه وهم أحرص الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>