للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على اختلافهم في تحديد القلتين، ويروى هذا القول عن ابن عمر ومجاهد.

واحتجوا لهذا المذهب: بالنهي عن البول في الماء الراكد، والنهي عن إدخال اليد في الماء بعد النوم. قلت: وفي الاستدلال بذلك نظر، لأن النهي في الحديثين ليس فيه تقييد صريح، ولا يفهم منه التقييد بالقلتين ونحوهما حتى يكون دليلًا على ذلك، ولا فيهما ذكر النجاسة ولا التعليل بها، ولاسيما والاتفاق حاصل على أن المتغير بالنجاسة نجس ولو كان أكثر من القلتين، ولأن يكون النهي عن البول في الماء الراكد دليلًا على عدم اعتبار القلتين؛ أولى من أن يكون دليلًا على اعتبارها.

وذهب الإِمام أبو حنيفة إلى التفرقة بين القليل والكثير ولكنه لم يقيد ذلك بالقلتين، بل القلة والكثرة عنده موكولة إلى نظر الإنسان الذي يريد استعمال الماء، ويسميه أصحابه المبتلى، وقيّده بعض أصحابه بالماء الذي يتحرك طرفه الأقصى بتحريك الطرف الأدنى، ومنهم من قال: الكثير عشرة أذرع في عشرة، وبعضهم جعل العبرة بغلبة الظن بحصول مخالطة النجاسة لسائر الماء فهذه أربعة أوجه عنده لا تدل على اعتباره للقلتين حدًا في الماء، وإذا لم يعتبرهما لم يكن هناك ما يصلح للتمسك به في إثبات هذا الحكم.

وذهب مالك إلى أن الماء لا يؤثر فيه إلا ما غيّر أحد أوصافه الثلاثة: لونه أو طعمه أو ريحه، ولم يفرّق بين القليل والكثير، إلا أنه إذا كان قدر وضوء أو قدر ما يغتسل به المغتسل، ووقعت فيه نجاسة قليلة لا تؤثر فيه؛ يكره استعماله عنده، مع وجود غيره.

وعدم التفرقة مذهب ابن عباس وأبي هريرة والحسن البصري وابن المسيب وعكرمة وابن أبي ليلى والثوري وداود الظاهري والنخعي وجابر بن زيد والغزالي من الشافعية وبعض الزيدية. واحتج أهل هذا المذهب بحديث أبي سعيد الخدري في بئر بضاعة، وبأمره - صلى الله عليه وسلم - للصحابة أن يصبوا الماء على بول الأعرابي كما سيأتي، وعدم التفرقة في النهي عن البول في الماء الدائم ولم يفرق بين القليل والكثير، وكذلك النهي عن إدخال اليد بعد النوم ولم يفرق بين القليل والكثير، وبأن الأصل في الماء الطهارة حتى يثبت خلاف ذلك، وبأن القائلين بمفهوم حديث القلتين لم يتفقوا على شيء معين، والتحديد بشيء

<<  <  ج: ص:  >  >>