أجازوا وضوء الرجل وغسله من فضل ماء المرأة، ولا فرق عندهم بين أن تخلو به، أو يجتمعا عليه، وهو قول لأحمد -رحمة الله على الجميع- وذهب الإِمام أحمد في المشهور عنه، وداود الظاهري إلى كراهية وضوء الرجل بفضل المرأة إذا خلت بالماء دون ما إذا اجتمعا عليه، واحتج أحمد ومن وافقه بأحاديث النهي وستأتي إن شاء الله، ويأتي الكلام عليها كحديث الحكم بن عمرو الغفاري، وهو في السنن وسيأتي للمصنف، وحسَّن الترمذي إسناده، وصححه ابن حبان، وذكر النووي أن الحفاظ اتفقوا على تضعيفه، وتعقَّبه ابن حجر، وفيه النهي عن وضوء كل منهما بفضل الآخر، وبما أخرجه أبو داود والمصنف كما سيأتي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري وفيه:"لقيت رجلًا صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع سنين كما صحبه أبو هريرة وقال: "نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وَلْيغترفا جميعًا" رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ثم ذكر الوهم الذي حصل لابن حزم في الراوي، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله عند ذكر الحديث رقم ٢٣٨.
وأما القائلون بالجواز فيحتجون بهذا الحديث، والأحاديث التي في معناه وسيأتي بعضها إن شاء الله وهي ثابتة عن تسعة من الصحابة: أبي هريرة وعلي وجابر وابن عباس وأنس وعائشة وميمونة وأم سلمة وأم هانئ، وصريح في عدم الكراهة حديث ابن عباس أن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسلت من جفنة فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ منها فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبًا، فقال: "إن الماء لا يجنب". وروى ابن ماجه والطحاوي من حديث أم صبية الجهنية أنها قالت: "ربما اختلفت يدي ويد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء من إناء واحد". وقد أخرج أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه وابن خزيمة وسيأتي حديثه، أي حديث ابن عباس أيضًا: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ بفضل غسلها من الجنابة" وللدارقطني عن ابن عباس أيضًا، عن ميمونة قالت: "أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل منه فقلت له: إني كنت جنبًا، فقال: إن الماء لا يجنب". قال ابن حجر: أعله قوم بسماك فإنه كان يقبل التلقين، وأجيب بأن الذي رواه عنه شعبة، وهو لا يحمل عن مشايخه إلَّا