للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صحيح حديثهم، وبحديث عبد الله بن سرجس وهو يروى مرفوعًا وموقوفًا وخطَّأ البخاري من رفعه.

وقال البيهقي: الموقوف أولى بالصواب لكن العيني -رَحِمَه اللهُ- يرى أن كلام البخاري غير مسلَّم لأن الذي رفعه ثقة، ولم يوافقه الأكثرون على ذلك، وقد نقل النووي والطحاوي والقرطبي الاتفاق على الجواز إذا اجتمعا، وأما إذا انفرد الرجل به، أو المرأة به فهو محل الخلاف، وذكر النووي أن انفراد الرجل به قبل المرأة أيضًا متفق على جوازه، وهو غير مسلَّم، قلت: والظاهر أن هذه المسألة الأقوى فيها القول بالجمع بين هذه النصوص، وذلك يحصل بأحد أمرين: إما بحمل النهي على الكراهة، ويكون ثبوت الفعل قرينة صارفة عن حمله على التحريم، وإما أن يحمل النهي على الماء المتقاطر من الأعضاء دون الباقي بعد التطهير في الإِناء، لأن أحاديث الجواز صريحة في جواز التطهير به بعد الانفراد بالماء كما تقدم، ومن أمعن النظر تبين له ضعف القول بتخصيص الكراهة عند انفراد المرأة لأنه إنما ورد النهي عن الأمرين، والمأثور في الرخصة كحديث ميمونة نص في انفرادها بالماء.

ولا يشكل على هذا أن الأحاديث الواردة فعل وهو لا يعارض القول لأن في بعض الأحاديث التصريح بالقول كقوله: "إن الماء لا يجنب"، ولأن حديث ابن عمر فيه التعميم في الفعل، أي فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأمة، والقاعدة المذكورة إنما هي في معارضة فعله هو فقط لأمره أو نهيه للأمة.

وقد قال الإِمام أحمد: -رحمه الله- إن أحاديث الباب مضطربة وأنه ثبت عنده أن بعض الصحابة كره وضوء الرجل بفضل المرأة إذا خلت به، من أن المأثور عن ابن عمر تخصيص ذلك بما إذا كانت حائضًا وقد قابله بالكراهة في فضلة الرجل إذا كان جنبًا.

وذكر ابن عبد البر أن ابن عباس سئل عن فضل وضوء المرأة فقال: هن ألطف بنانًا، وأطيب ريحًا والله تعالى أعلم. قلت: وهذه الحالة المذكورة في الحديث محمولة على أن المسألة كانت قبل الحجاب، وإلا تعين أن يخص بذلك الرجال مع ذوات المحارم من النساء والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>