وأول من سنَّها على الإطلاق: الخليل -عليه السلام- كما قال تعالى:{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} وأول من هاجر في الإِسلام "عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". واقتدى بهما المهاجرون وهي أول هجرة في الإِسلام كانت إلى الحبشة حين اشتد أذى المشركين على المسلمين. قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن بالحبشة ملكًا لا يُظْلَمُ أحد عنده فلو خرجتم إليه فخرجوا إليه" فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشبِّه عثمان بالخليل -عليه السلام-.
(ومن): هاهنا شرطية. وقوله:(هجرته إلى الله) أي: الحامل عليها والباعث طلب ثواب الله وقصد صحبة رسوله والجهاد معه، فعبَّر عن قصد التقرب بالهجرة بأنها إلى الله كما قال الخليل {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} وقد تقدم معنى -إلى- في شرح الآية في المقدمة، والفاء في قوله:(فهجرته إلى الله) واقعة في جواب الشرط وقد اتحد الشرط والجزاء في اللفظ. والأصل فيهما التغاير، والجواب عن ذلك، أن التغاير يكون في اللفظ، وهو الأكثر ويكون في المعنى كما هنا لأن المعنى المراد في قوله:(من كانت هجرته إلى الله) أي: بالقصد فهجرته ثابتة له عند الله يُجْزَى بها يوم القيامة.
وقوله:(إلى دنيا) صفة لموصوف محذوف مشتق من الدنوِّ الذي هو القرب وفيه محذوف مقدر مضاف إلى الدنيا، أي نيل دنيا أو حصول دنيا، قال الكرماني:(في الدنيا مقصورة غير منونة لأنها فعلى من الدنو وموصوفها محذوف أي الحياة الدنيا) اهـ.
قال ابن مالك في كتاب الشواهد: في استعمال الدنيا منكرًا إشكال، لأنها أفعل تفضيل فكان حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى إلَّا أنها خلعت عنها الوصفية رأسًا أي تنوسي فيها معنى الوصفية وأجريت مجرى ما لم يكن وصفًا ومثله قول الشاعر:
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة ... يوما سراة كرام الناس فادعينا
فإن الجلى تأنيث الأجل فخلعت عنها الوصفية وجعلت اسمًا للحادثة العظيمة، قال الكرماني: والدليل على جعلها اسمًا قلب الواو ياء لأنه لا يجوز القلب إلَّا في فعلى الإِسمية.
وهو مؤنث الأدنى لا ينصرف، قيل: لوجود علتين فيه: الوصفية،