للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما يكون فيه الأجر من وجهين أو وجوه فيتوقف حصول ذلك على النية كمن خرج يريد الصلاة يكتب له ثوابها، فإن قصد مع ذلك طلب العلم حصل له أجره، وإن جلس في المسجد ينتظر الصلاة ونوى الاعتكاف حصل له الأجر عند من لا يشترط الصيام، وهكذا في الصدقة على القريب كما في الحديث بل في بعض الأعمال الدنيوية يحصل للمرء الثواب على حسب النية كمن نوى بالبيع والشراء أنه يعفُّ نفسه ويتصدق وله نظائر كثيرة، وإن كان الفعل في الأصل ليس بقربة كالنكاح والشرب والأكل فإنه إن نوى عفة الزوجة وعفة نفسه وطلب تكثير سواد الأمة أُجِرَ من وجوه، وإن لم تكن له نية إلَّا بلوغ شهوته فلا أجر له وهكذا في غيره.

وقد قيل إن هذه الجملة أفادت أن الترك خاصة لا يثاب عليه إلَّا مع النية وهذا موقوف على دخول الترك مسمى الفعل وهو الراجح بل المتعين فمن ترك شرب الخمر أو الزنا خشية العقوبة الدنيوية لا يثاب وإن سلم من الإِثم، وإن ترك ذلك لخوف الله -عز وجل- أجر.

قلت: وقد يقال إنها محمولة على ما تقدم من كون الفعل فيه مجال للنية من وجوه فلا يحصل منها شيء إلَّا على قدر النية على ما تقدم، فمن نوى شيئًا دون غيره حصل له المنوي فقط وقد تقرر في علم العربية أن اللفظ إذا دار بين التوكيد والتأسيس كان حمله على التأسيس أولى، والله أعلم.

والفاء قيل عاطفة لتفصيل ما أجمل في قوله "الأعمال بالنيات" ويحتمل أن يكون المذكور للتمثيل لا للتفصيل. (والهجرة)، بكسر الهاء والهجران بكسرها والهجر بفتحها كلها بمعنى الترك للشيء.

قلت: وذلك إذا تعدى الفعل بنفسه أو بعن أو بمن وأما إن عُدِّيَ بإلى فهي بمعنى الانتقال إلى الشيء وقصده عند ترك غيره كما في قولك: "هاجر إلى الله ورسوله".

وهي في عرف الشرع ترد لمعنيين: أحدهما: ترك ما نهى الله عنه قولًا وعملًا، كما في الحديث: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" وهو أعمُّها، والثاني: وهو الغالب فيها عند الإطلاق: الخروج من دار الكفر إلى دار الإِسلام أو الخروج من مكان على سبيل الهرب بالدين لقصد سلامته.

<<  <  ج: ص:  >  >>