على حد قوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي أهلها لأن نفس الدار لا يسلم عليها فالأصل يا أهل دار حذف أهل وبقي المضاف إليه فتسلط عليه حرف النداء على حد قول ابن مالك -رحمه الله تعالى-:
وما يلي المضاف يأتي خلفًا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا
وقوله:(وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) قوله إن شاء الله ذكرها هنا للتحقيق لا للتعليق كما في قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} إن كان المعنى على ظاهره من أن المراد حصول الموت لهم فإنه أمر محقق ويجوز أن يكون للتعليق وذلك إذا حمل على أن المراد أنهم يلحقون بهم على صفة الإِيمان فيكون التعليق على أصله لأن المرء لا يعلم ما يختم له به فالقيد للحوق بصفة الإيمان يصح فيه التعليق.
قلت: ويكون ذلك مستفادًا من قوله: دار قوم مؤمنين فخص الدار بأهل الإيمان والموت على الإيمان أمر غيبي فيكون لاحقون بكم متصفون بصفتكم.
وقوله:(وددت) أي أحببت وتمنيت (أني رأيت) أي أبصرت إخواننا يريد آخر أمته من المسلمين فإنهم إخوانه في الإِيمان كما قال لأبي بكر - رضي الله عنه -: "ولكن أخوة الإِسلام" بعد أن قال: "لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر" وفي رواية: "لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي" وقال لعمر: "أشركنا يا أخي في دعائك" فكل المسلمين إخوانه وقولهم: "ألسنا إخوانك" استفهام من الصحابة لأنه أشكل عليهم ما سمعوه منه من تخصيص من لم يأت باسم الإِخوان والإِستفهام للتقرير لأن همزة الاستفهام فيها معنى النفي فإذا دخلت على أداة نفي نفتها ونفي النفي إثبات فقال مجيبًا لهم: "بل أنتم أصحابي"، وبل حرف إضراب تكون للإِبطال وللانتقال وهي هنا للانتقال من أسلوب إلى أسلوب أو من معنى إلى آخر والمعنى أنتم لكم مزية اسم الصحبة وهي درجة أخص من مجرد الأخوة لأنهم أكرمهم الله وخصهم بصحبته، فهم لم يسبقوا لفضلها ولا يلحقون وأما الإخوة فهي عامة لكل مسلم كما تقدم.
وقوله:(وإخواني) أي الذين عنيتهم وتمنيت رؤيتهم هم جميع المؤمنين ممن آمن بي بعد موتي ولذا قال الذين لم يأتوا أي لم يوجدوا بعد فعبر بالإِتيان عن الوجود لأن الشخص إذا لم يوجد فهو غائب فكأنه إذا ولد كان غائبًا