وإنما هو مظنته وسبيله لأنه يذهب العقل فقد يخرج شيء ولا يدري به الإِنسان كما في الحديث السابق "وكاء السَّه العين" والسّهُ من أسماء الدبر، والمعنى أنه مادام يقظًا لا يخرج منه شيء إلا بعلمه فإذا نام ربما خرج منه الريح أو غيره وهو لا يدري وفي رواية معاوية للحديث "العين وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء" والحديثان رواهما أحمد وروى حديثَ علي أبو داود وابن ماجه والدارقطني وروى حديث معاوية أيضًا الدارقطني والبيهقي وقد ضعّفَ كلا من الحديثين أبو حاتم إلا أن حديث علي قال فيه أحمد: إنه أثبت وأقوى وقد حسّنه المنذري وابن الصلاح والنووي والحديثان كما قدّمنا يدلان على أن النوم مظنة النقضِ لا ناقض، ولهذا قال الشوكاني إن المذهب الثامن أقرب المذاهب عنده ورأى إنما ورد بالنقض بالنوم مطلقًا يحمل على ما ورد مقيدًا وهو وجه حسن لو صح حديث النوم في السجود المتقدّم ولكنه ضعيف كما تقدّم.
قلت: ويمكن أن يقال أن التقييد يؤخذ من حديث ابن عباس وغيره ولكن لا يقتصر على التقييد بالهيئة في الجلوس والتمكّن فيه وغير ذلك بل الأولى تقييده بدرجة النوم لأنها هي المعتبرة في زوال الإِحساس وغيره فإن بلغ به إلى حالة تفقده الإِحساس نقض وإن لم يتبلّغ تلك الدرجة لا ينقض وتكون حالة الجلوس معلّلة بكون الغالب أن الجالس لا يخرج منه شيء إلا شعر به والقول باعتبار درجة النوم هو مشهور مذهب مالك وأصحابه وهو المعبّر عنه بالنوم الكثير وقَدَّروا ذلك بكونه لو سقط منه شيء لا ينتبه له أو سقط لعابه لا يدري به.
قلت: ويستأنس لكون علة النقض في النوم ذهاب الإِحساس بالحديث الصحيح عن عائشة وابن عباس في نومه بعد التهجد وتعليله - صلى الله عليه وسلم - بكونه تنام عينه ولا ينام قلبه.
تنبيه:
ذكر الشوكاني أن صاحب البدر التمام وصاحب سبل السلام رووا المذهب الخامس بلفظ أنه ينقض واستدلاله بالحديث الذي تقدّمت الإِشارة إليه "إذا نام العبد" إلخ قالا وقاس الركوع على السجود والذي في شرح مسلم بلفظ لا ينقض والله أعلم.