للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: (ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك) إخبار بما كان عليه من العداوة والمباعدة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن تلك العداوة انقلبت صداقة بسبب العفو والحلم الذي حصل منه - صلى الله عليه وسلم - وانشراح الصدر بالإِيمان.

• الأحكام والفوائد

تقدّم أن العلماء اختلفوا في حكم غسل الكافر عند إسلامه، فذهب الإِمام أحمد إلى وجوب غسله وهو عنده غسل للإِسلام، وهو قول أبي ثور وقول مالك الصحيح عنه. قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}: والمذهب كله إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم إلا ابن عبد الحكم فإنه قال: ليس بواجب فإن الإِسلام يهدم ما كان قبله. قال: وبوجوب الغسل عليه قال أبو ثور وأحمد وأسقطه الشافعي وقال: أحب إليَّ أن يغتسل، ونحوه لابن القاسم، ولمالك قول أنه لا يعرف الغسل رواه عنه ابن وهب وابن أبي أويس، وحديث ثمامة وقيس بن عاصم حجة على من نفى الغسل بالكلية. ثم ذكر القرطبي -رحمهُ الله- بعد ذلك ما يدل على أن مذهب مالك موافق لقول الشافعي، وهو أن الكافر إذا أسلم ولم يكن أجنب حال الكفر، بأن كان صغيرًا أو كبيرًا لم يجنب؛ أن الغسل مستحب له، فإن كان أجنب فالغسل واجب عليه اغتسل أو لم يغتسل، وهذا أيضًا مذهب أحمد أي أنه يغتسل سواء اغتسل أو لم يغتسل، موافق لمذهبه -رحمهُ الله- لأن الغسل عنده للإِسلام لا للجنابة ولا تأثير عنده للجنابة حال الكفر بعد الإِسلام، فإطلاق القول بالوجوب عند مالك فيه نظر ولكنه رواية أو قول عنه كإطلاق عدم الوجوب عند الشافعي، لأنهما يقولان بوجوب الغسل على الكافر الذي حصلت منه جنابة حال الكفر واستحبابه على الذي لم تحصل منه، ووافقهما أبو حنيفة فيمن أجنب ولم يغتسل حال كفره، فإن اغتسل بعد الجنابة لم يجب عليه عنده لأن النية ليست شرطًا عنده في الطهارة. قال القرطبي: فإن كان إسلامه قبل احتلامه فغسله مستحب، ولبعض الشافعية قول موافق لقول أبي حنيفة.

قلت: فتحصّل من هذا أن في المسألة ثلاثة أقوال، وإن كان الذي أميل إليه حمل الأمر على الندب لعدم شيوع الأمر به، القول الأول: وجوب الغسل للإِسلام مطلقًا لكل كافر أراد الإِسلام، الثاني: عدم الوجوب إلا على من

<<  <  ج: ص:  >  >>