الماء من الماء رخصة في أول الإِسلام، ثم نسخ" ذكره الترمذي، وقد أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري) اهـ. قال ابن العربي -رحمهُ الله-: "إيجاب الغسل يعني بالوطء دون إنزال، أجمع عليه الصحابة فمن بعدهم ولم يخالف فيه إلا داود ولا عبرة بخلافه" قال ابن حجر: ونفيه الخلاف معترض فإنه مشهور عن الصحابة، ثبت عن جماعة منهم، لكن ادعى ابن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين، وهو معترض بما نقله الخطابي عن جماعة من التابعين منهم الأعمش. وقال عياض: "لم يقل به أحد بعد الصحابة غيره، واعترض عليه بأبي سلمة بن عبد الرحمن". وقال الشافعي: "حديث الماء من الماء ثابت لكنه منسوخ" اهـ. قال ابن عبد البر: وعلى هذا مذاهب أهل العلم، وبه الفتوى في جميع الأمصار فيما علمت. وممن قال به من الفقهاء: مالك وأصحابه والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد والحسن بن حي والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد والطبري. واختلف أصحاب داود في هذه المسألة فمنهم، من قال في هذه المسألة، بما عليه الفقهاء والجمهور على ما وصفنا من إيجاب الغسل بالتقاء الختانين، ومنهم من قال: "لا غسل إلا بإنزال الماء الدافق"، ثم ذكر أنهم احتجوا بحديث أبي أيوب: "إنما الماء من الماء". وذكر حديث سهل بن سعد الساعدي أن أبيًا قال: "إن الفتيا التي كانوا يفتون بها قولهم: إن الماء من الماء رخصة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص بها في أول الإِسلام، ثم أمرنا بالغسل بعده"، ثم ذكر أن ابن شهاب لم يسمعه من سهل وإنما سمعه من أبي حازم عنه، وهو صحيح ثابت بنقل العدول له. اهـ.
قلت: وهو في سنن أبي داود. فتحصل من هذا أن الأكثرين على أن الماء من الماء منسوخ كما ذكر أبو أيوب - رضي الله عنه - والشافعي -رحمهُ الله-، ولكن كان فيه خلاف من بعض الصحابة ولعل ذلك لعدم علمهم بالنسخ، ولهذا لما ثبت لبعضهم ممن كان يقول بذلك رجع كما تقدّم، وأما ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن ذلك في النوم ففيه نظر، لأن بعض الأحاديث فيها التصريح بالسبب وهو السؤال عن الجماع لا عن الاحتلام، وصورة السبب قطعية الدخول في الحكم عند الأكثرين، فيضعف القول باختصاص ذلك بحالة الاحتلام في النوم، والله أعلم.