قال بعض العلماء: تقدير الكلام: محدثين حدثًا غير معتاد يعني قوله: {جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}، ضرب لهم مثلًا لسائر الأحداث التي هي في الحكم مثله، فصار تقدير الآية: إن كنتم جنبًا، أو محدثين بالخارج {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} مسستموهن عند من يحمل الملامسة على المس، وهو أكثر فيها من الجماع. وقرأ حمزة، والكسائي (لمستم)، وهي أقرب إلى معنى المس، فتكون الآية من قوله:{أَوْ جَاءَ} كلها في نواقض الوضوء، ويكون موجب الجنابة لم يذكر إما لأنه معلوم عند الناس لكونه محصورًا في أمرين فقط، وهذا هو قول الجمهور، وإما على قول من يقول إن الملامسة هنا هي الجماع وإنها بيان لسبب الغسل كما بيّن سبب الوضوء، وهو مروي عن ابن عباس ونسب إلى علي - رضي الله عنه -، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله- وبنى عليه قوله بأن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وعلى القول الأول فهو ناقض. لكن اختلف القائلون به فذهب الشافعي إلى أن النقض يحصل بمجرد ملاقاة البدن للبدن بدون حائل، وذهب مالك وأحمد إلى أنه لا يحصل إلا بقصد الشهوة أو وجودها، لأنه وإن كان عامًا فقد جاء في السنة ما يخصصه، كما يأتي بيانه إن شاء الله.
وجواب الشرط في قوله (إن كنتم): قوله: (فتيمموا)، ولا مفهوم للسفر لما قدمنا من أنه حالة هي الغالب أنها تسبب فقد الماء، والنص إذا خرج مخرج الغالب لا يعتبر مفهومه، ففاقد الماء في الحضر كفاقده في السفر، وسيأتي بيان ذلك في موضعه من كتاب الطهارة إن شاء الله. قال ابن العربي:(حقيقة اللمس إلصَاقُ الجارحة بالشيء، وهو عرف في اليد لأنها آلته الغالبة، وقد يستعمل كناية عن الجماع، وقالت طائفة: اللمس هنا الجماع، وقالت طائفة أخرى هو اللمس المطلق لغة أو شرعًا. فأمَّا اللغة فقد قال المبرد: لمستم وطئتم ولامستم قبَّلتهم لأنها لا تكون إلا من اثنين، والذي يكون بقصد وفعل من المرأة هو التقبيل، فأما الوطء فلا عمل لها فيه إلا المطاوعة، قال أبو عمر: الملامسة الجماع واللمس لسائر الجسد) قلت: وهذا يوافق ما قدمنا أن اللمس أقرب إلى معنى المس. قال: (وهذا كله استقراء لا نقل فيه عن العرب، وحقيقته أنه كله سواء وأن لمستم محتمل للمعنيين جميعًا كقوله:"لامستم" ولذلك لا يشترط لفعل الرجل شيء من فعل المرأة) قلت: وهذا فيه رد لقول المبرد في التفرقة السابقة