قال: (وقد قال ابن عباس: إن الله حيي كريم يعفو ويكني، وقد كنى باللمس عن الجماع، وقال ابن عمر: قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، وكذلك قال ابن مسعود وهو كوفي، فما بال أبي حنيفة خالفه، ولو كان معنى القراءتين مختلفًا لجعلنا لكل قراءة حكمها وجعلناهما بمنزلة آيتين، ولم يناقض ذلك، وهذا تمهيد المسألة ويكمله ويؤكده ويوضحه أن قوله:"ولا جنبًا" أفاد الجماع) أي: لأنه معروف عندهم أنه يسبب الوصف بالجنابة (وأن قوله تعالى: "أو جاء أحد منكم من الغائط" أفاد الحدث وأن قوله: "أو لامستم" أفاد اللمس والقبلة فصارت ثلاث جمل لثلاثة أحكام. قال: وهذا غاية في العلم والإِعلام، ولو كان المراد باللمس الجماع لكان تكرارًا وكلام الحكيم ينزه عنه) اهـ. قلت: ومما يؤيد أن اللمس أصله غير الجماع قوله - صلى الله عليه وسلم - لماعز الأسلمي - رضي الله عنه - لما اعترف بالزنا: لعلك قبلت أو لمست، وقول عائشة -رضي الله عنهما-: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا فيقبّل ويلمس. وفي حديث أبي هريرة: وزنا اليد اللمس.
وقد يعترض على ما تقدم بأن يقال:"قولكم إن كنتم جنبًا" ذكر للجنابة بدون ذكر سببها، فلما ذكر الله سبب الحدث، بقوله (أو جاء أحد منكم من الغائط) وهو سبب الحدث، ذكر سبب الجنابة وكنى عنه بالملامسة كما كنى عن الأول بالغائط؟ والجواب عن هذا الاعتراض بأن يقال:
إن حمل اللمس على عمومه يشمل النوعين فهو سبب للطهارتين، وهو أبلغ لأنه يفيد أن مجرد اللمس ينقض الوضوء ونقضه بالجماع أولى، كما أن الجماع غاية نهاية اللمس وأعظمه، فيوجب غاية الطهر وأعظمه وهو الغسل، وهذا أولى والله أعلم.
وقد تقدم أن الإِمام الشافعي يقول: بأن اللمس ينقض مطلقًا بوجود لذة أو عدمها وعدم قصدها، فهو عنده ناقض بنفسه لا يتوقف بعد حصوله على شيء زائد لأنه يفضي إلى خروج المذي ونحوه، كالحال في الجماع يفضي إلى خروج المني، فكما أن حصول الجماع ناقض بهذا السبب ولا يتوقف الغسل بعده على غيره، فكذلك اللمس عنده ناقض للطهارة الصغرى من غير توقف على شيء زائد. وراعى مالك وأحمد في المشهور عنه أنه وإن كان لم يقيد في الآية بشيء، ولكن ثبتت السنة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمس في الصلاة ولمسته عائشة فيها ولم يقطعها،