للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واتفقوا على أن لمس ذوات المحارم لا ينقض الوضوء، وليس هناك ما يصلح أن يكون علة لعدم النقض في هذه الحالات أولى من ربط النقض بالشهوة، فإن وجدت أو قصدت انتقض الوضوء وإلّا فلا. وذهب الأوزاعي -رحمه الله تعالى- إلى أن اللمس إن كان باليد نقض وإذا كان بغيرها لا ينقض، واستدل بقوله تعالى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} فرأى أن حقيقته باليد دون غيرها.

قلت: ومثله قول الشاعر:

لمست بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي

فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فبددت ما عندي

فأناط الحكم باليد دون غيرها لأنه رآه حقيقة فيها.

لكن قد تقدم أن علماء العربية لم يتفقوا على شيء في تخصيص اللمس وأن المدار في ذلك على العرف، وأن إطلاقه على جميع ما فسّر به صحيح، فلا يخص باليد والله تعالى أعلم.

ثم ذكر -سبحانه وتعالى- الشرط المكمل لشروط استعمال البدل فقال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} والمراد بعدم الوجود: عدم القدرة على الطهارة به الشامل لفقده من أصله، ولوجود مانع يمنع من استعماله.

قال القاضي أبو بكر بن العربي -رحمه الله تعالى- (قال علماؤنا: فائدة الوجود: الاستعمال والانتفاع بالقدرة عليهما فمعنى قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} فلم تقدروا عليه، لتضمن ذلك الوجوه المتقدمة المذكورة فيها، وهي المرض والسفر. فإن المريض واجد للماء صورة، ولكنه لما لم يتمكن من استعماله لضرورة صار عادمًا له حكمًا، فالمعنى الذي يجمع نشر الكلام: فلم تقدروا على استعمال الماء، وهذا يعم المرض والصحة إذا خاف من أخذ الماء لصًا أو سبعًا، ويجمع الحضر والسفر، وهذا هو العلم الصريح والفقه الصحيح والأصول بالتصحيح. ألا ترى أنه لو وجده بزائد على قيمته جعله معدومًا حكمًا وقيل له يتيمم، فتبين أن المراد الوجود الحكمي لا الوجود الحسي) اهـ. قوله: {مَاءً} قد تقدم الكلام عليه. قال ابن العربي -رحمه الله-: (قال أبو حنيفة: هذا نفي في نكرة وهو يعم حكمًا، فيكون مفيدًا جواز الوضوء بالماء المتغير لانطباق اسم الماء عليه) اهـ. وأجاب -رحمه الله تعالى- عن هذا القول

<<  <  ج: ص:  >  >>