بقوله:(واعلموا أن النفي في النكرة يعم كما قلتم، لكن في الجنس فهو عام في كل ماء من سماء أو عين أو بئر أو نهر أو بحر عذب أو ملح، فأما غير الجنس فهو المتغير فلا يدخل، كما لا يدخل ماء الباقلاء وماء الورد) اهـ.
قلت: تقدم نظير هذا قول ابن الجصاص: إن عدم تعيين المغسول به يدل على صحة الوضوء بالنبيذ، وتقدم الكلام عليه. ثم ذكر قول الشافعي -رحمه الله- أنه إذا وجد ماء لا يكفيه لأعضاء الوضوء كلها، أنه يستعمله فيما كفاه ويتيمم لباقيه قال:(فخالف مقتضى اللغة وأصول الشريعة، ثم ذكر أن الله أمر بغسل أعضاء الوضوء من الحدث وغسل الجسد من الجنابة، ثم قال:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فاقتضى ذلك الماء الذي يقوم له مقام ما تقدم الأمر فيه والتكليف به، فإن آخر الكلام مربوط بأوله وجعل هذا وجه مخالفته لمقتضى اللغة. قال وأما مخالفته للأصول؛ فليس في الشريعة موضع يجمع فيه بين الأصل والبدل)، اهـ. وقد صحت السنة في الوضوء بماء البحر وروي عن ابن عمر أنه قال: لا يتوضأ به، لأنه ماء نار أو لأنه طبق جهنم أو لأنه عذب به فلا يصلح للقربة، أصله النهي عن الوضوء بماء الحجر -وهي أرض ثمود- إلا من بئر الناقة وقد دلهم عليها على سبيل المعجزة، وذلك لأنها أرض عذاب، لكن صحت فيه السنة فلم يبق فيه مجال للتعليل المذكور ولا غيره. وسيأتي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال فيه:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، ويذكر عن ابن عباس أنه طهور الملائكة إذا نزلوا توضؤوا منه وإذا صعدوا توضؤوا منه. وإذا كان المراد بكونه عذابًا أنه عذّب به فرعون، فهو غير عام في سائر البحار، وإن أريد ما قيل من أن ماء البحر بقية من الطوفان في عهد نوح، فيمكن حينئذٍ وصفه بأنه ماء عذاب، لولا ورود السنة كما تقدم.
ثم ذكر سبحانه البدل بقوله:{فَتَيَمَّمُوا} أي اقصدوا واتخذوه إمامًا لكم، وقد تقدم الكلام على ذلك من حيث اللغة. وقد استدل الإِمام أبو حنيفة -رحمه الله- بالأمر بالقصد في التيمم على وجوب النية فيه، لأنه يرى أن النية هي القصد لفظًا ومعنى، وهو لا يرى وجوب النية في الوضوء على ما قدمت، مع أنه تقدم أن غيره يستدل بالآية على وجوب النية، حيث إنهم فسروا {إِذَا قُمْتُمْ} بقولهم: معناه إذا قصدتم القيام للصلاة، فاقتضى ذلك أن غسل المأمور بغسله من أجلها، وذلك معنى النية أن يكون غسل الأعضاء المذكورة لها، وتعقب