للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله هنا: بأن القصد وإن كان هو النية لكنه هنا المراد الأمر باستعماله بدل الماء، فليس فيه إلا ما في قوله {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، وقوله {فَاطَّهَّرُوا}.

وقوله: {صَعِيدًا طَيِّبًا}: تقدم الكلام عليه لغة في الكلام على المفردات في الآية. وفي تعيين المراد منه أربعة أقوال:

الأول: وجه الأرض، وبه قال مالك ومن وافقه.

والثاني: الأرض المستوية.

الثالث: الملساء.

الرابع: التراب، قاله ابن عباس وهو قول الشافعي.

والظاهر أن الدليل يقوي أنه وجه الأرض، وقد تقدم ذلك. وإنما خصه الشافعي بالتراب والله أعلم لما في إحدى روايات حديث الخصائص: "جعلت لي الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا"، فالتنصيص على التربة يرى أنه مقيد لإطلاق الأرض، وكذلك ما يأتي من قوله في الباء في بوجوهكم. وقد تقدم شواهد صحة القول بكونه وجه الأرض، وهو الذي يقتضيه الاشتقاق لأنه مِنْ: صعد إذا ارتفع وظهر، وصريح اللغة يقتضيه وسواء كان رملا أو ترابًا أو حجرًا أو غير ذلك، ويؤيده النظر حيث إنها رخصة للمحافظة على الصلاة، ولو قيدت بالتراب لكان كثير من أهل الصحارى ولاسيما أهل الرمال التي لا يوجد فيها الغبار، لا حظ لهم في هذه الرخصة وكذلك الأماكن السبخة، وقد قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} كما سيأتي بيانه. ومن سافر في كثير من أنحاء المعمورة أدرك أن قصر الجواز على التراب فيه حرج كبير، وتفويت لحق كثير من المسلمين في هذه الرخصة العامة. وقوله: {طَيِّبًا} صفة لصعيد، واختلفوا في المراد بها فقيل: النظيف وقيل: المنبت: وقيل: الطاهر وقيل: الحلال، وأصحها القول بأنه الطاهر، وذلك لأن الطيب والخبث نسبيان والمناسب هنا هو الطاهر. فأما القول بأنه منبت وهو الذي اختاره الشافعي فيستدل له بقوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} وفيه نظر لما قدمنا من أن وصف الطيب أمر نسبي، ولأنه لا يلزم من إطلاقه الطيب على البلد الذي يخرج نباته بإذن ربه، أن لا يستحق الوصف بالطيب غيره على وجه آخر، فلا تنحصر فيه صفة الإنبات، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "هذه طيبة هذه طابة"، ومعلوم أن وصف الطيب شملها وأكثرها حجارة وحرار سوداء صلبة. وهذا الخلاف ينبني

<<  <  ج: ص:  >  >>