عليه جواز التيمم على كل أجزاء الأرض، أو تخصيص بعضها بالجواز دون بعض. فذهب مالك إلى جوازه على جميع الأرض ولو كان حجارة، وهو مذهب الإِمام أبي حنيفة والثوري والطبري، فأجازوه على جميع ما صعد على وجه الأرض ولو كان معدنًا، ما لم يكن فضة خالصة أو ذهبًا خالصًا وما لم يكن المعدن منقولًا، وما عدا ذلك جميعه جائز، وأجازوه على الحجر المنقول كالجدار ونحوه. وحديث أبي جهيم يدل عليه، واختلفوا في التراب المنقول وقالوا: هذا هو الموافق لقوله {صَعِيدًا} وحملوا قوله {طَيِّبًا} على أن المراد به طاهرًا. . .
وقال الشافعي وأحمد ووافقهما أبو يوسف: الصعيد التراب المنبت وهو الطيب قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ}، وما لا ينبت لا يكون طيبًا كما تقدم، فلا يجوز التيمم عندهم على غيره. وقال الشافعي: لا يقع الصعيد إلَّا على تراب ذي غبار. وعن علي: هو التراب، ومثله عن الخليل قال: تيمم بالصعيد أي أخذ من غباره. قال الكيا الطبري:(واشترط الشافعي أن يعلق التراب باليد -إلى أن قال- ولا شك أن لفظ الصعيد ليس نصًا فيما قاله الشافعي) اهـ. قلت: وقد تقدم ما يدل على قول الكيا هذا، ولكن الذي يتمسك به الشافعي في هذا قوله -عليه الصلاة والسلام-: "وتربتها لنا طهورًا"، قال القرطبي: (قالوا هذا من باب المطلق والمقيد، قال: وليس كذلك وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم -يعني- أفراده كما في قوله تعالى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} قال: وقد حكى أهل اللغة أن الصعيد اسم لوجه الأرض كما ذكرنا، وهو نص القرآن كما بيّنا، وليس بعد بيان الله وقال -عليه الصلاة والسلام-: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك) اهـ. قلت: وقد استدل الإِمام أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن خزيمة -رحمه الله- بقوله -عليه الصلاة والسلام-: "أُرِيتُ دارَ هجرتكم، أُرِيتُ سبخة ذات نخل بين لابتين" فإنه قال في صحيحه: (باب إباحة التيمم بتراب السباخ ضد قول من زعم من أهل عصرنا أن التيمم بالسبخة غير جائز) ا. هـ وقول هذه المقالة يقود إلى أن التيمم بالمدينة غير جائز إذ أرضها سبخة، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنها طيبة وأنها طابة. ثم ذكر حديث عائشة في الهجرة الطويل الثابت في الصحيح، من طريق يونس عن الزهري عن عروة عنها فذكر الحديث وفيه: "أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين". قال: (ففي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أريت سبخة ذات