قال بعض البكريين يوم تحلاق اللمم، وهو من أيام حرب البسوس المشهورة جعلوا شعارهم فيه حلق رؤوسهم، فكره بعضهم ذلك وقال: أنا أشتري منكم لمتي بأول فارس يطلع عليكم، فحمل على العدو وهو يقول:
ردوا علي الخيل إن ألمت ... إن لم أقاتلهم فجزوا لمتي
وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يحلق إلا في نسك، وكان يرجّل شعره ويأمر بذلك لكن لا على وجه المبالغة والإسراف في ذلك، كغيره من الأعمال الدنيوية والأخروية فإن الإِسراف غير محمود على كل حال. وقوله:(أو يبول في مغتسله) أي: ونهى عن أن يبول أحدنا في مغتسله، أي: في المحل الذي يغتسل فيه، والنهي عن البول فيه يحتمل أن يدل على النهي عن التغوط بالأولى لأنه أشنع، ويحتمل أنه لعلة تختص بالبول كما علله بعضهم بكونه خشية تطاير البول أو اختلاطه بالماء فينجسه أو يوقعه في الشك.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه قال: حدثنا شبابة: حدثنا شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان، قال: سمعت عبد الله بن مغفل المزني يقول: (البول في المغتسل يأخذ منه الوسواس) وهذا موقوف وهو عند ابن حبان في صحيحه مرفوعًا، قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا حبان بن موسى قال: أخبرنا عبد الله عن معمر عن أشعث عن الحسن عن عبد الله بن المغفل: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبول الرجل في مغتسله فإن عامة الوسواس يكون منه".
و(أو): في الحديث للتنويع، فإن كل واحد من هذه الأمور منهي عنه بانفراده، وجمع الكل من باب أولى في النهي. وقوله:(ليغترفا) فكأنه قال: ولكن ليغترفا، وقوله:(جميعًا) حال بمعنى: مجتمعين.
• الأحكام والفوائد
ظاهر النهي في هذا الحديث التحريم، ولكن من لم يأخذ به تركه لأنه معارض عنده بما هو أقوى منه، وهي الأحاديث الدالة على الجواز كما تقدم عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن، إن لم يعتبر إعلال من أعله قادحًا فيه. وقد قال بظاهره جماعة منهم عبد الله بن سرجس، ونسبه ابن حزم إلى الحكم بن عمرو الغفاري وجويرية وهو مروي عنه من وجوه عن أبي حاجب وغيره، وأم سلمة وعمر بن الخطاب على ما ذكره الشوكاني، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري،