للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} أي ما يريد بتشريعه لما شرعه لكم ليجعل عليكم حرجًا، أي ضيقًا وشدة في دينكم كما قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وأصل الحرج: الضيق والشدة، فالحرج -محركًا- هو المكان الضيق أو أضيق الضيق، وهو اسم للشجر المجتمع، وهو الغيضة لضيقها، والحرجة: الشجرة في وسطه لا تصل إليها الآكلة من الدواب، وهي واحدته وتجمع على أحراج وحرجات، كلما في قول الشاعر:

أيا حرجات الحي حين تحملوا ... بذي سلم لا جادكن ربيع

ورجل حرَج وحِرج ضيق الصدر، وبهما قرئ: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} وقيل: بالفتح في صدره ضيق وبالكسر اسم فاعل، ومثله دنف ودنف ووحد ووحد. ويسمى الإثم والحرام حرجًا لأنه يجعل الإنسان في ضيق من أمر دينه، وهو بهذا المعنى هو المراد هنا، وقد جعله ابن الأثير فيه من المجاز كما ذكره صاحب التاج، والحارج الآثم ومنه قول الشاعر:

يا ليتني حظيت غير حارج ... أم حبي قد حبا أو دارج

ويسمى السرير الذي يحمل عليه المريض والميت حرجًا، قال امرؤ القيس:

فإما تريني في رحالة جابر ... على حرج كالقر تخفق أكفاني

ويسمى شجار الخشب الذي يشد بعضه إلى بعض، ويوضع على نعش النساء: حرجًا، قال عنترة يصف ظليمًا يتبعه رئاله ويفرش جناحيه تحته:

يتبعن قلة رأسه وكأنه ... حرج على نعش لهن مخيم

وكان الواجب أن يكون الكلام على هذا في أول شرح الآية، ولكنه تأخر سهوًا، و"من" في قوله: {مِنْ حَرَجٍ} صلة لتوكيد عموم النفي، وقوله {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} أي من الذنوب باستعمال المطهر الذي أمركم به وهو الوضوء، كما في حديث أبي هريرة وحديث عثمان وكلاهما في الصحيح، وكما في حديث الصنابحي عند مالك والمصنف وغيرهما، وسيأتي ذلك. وقيل من الحدث والجنابة، أو لتستحقوا اسم الطهارة التي يوصف بها أهل الطاعة. وقرأ سعيد بن المسيب {لِيُطْهِرَكُمْ} وهي بمعنى الأولى، مثل قولهم نجّاه وأنجاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>