للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} أي: بالترخيص في التيمم عند المرض والسفر، وقيل: بتبيين الشرائع، وقيل: بغفران الذنوب، وقيل: بدخول الجنة والنجاة من النار، وهذا هو الضالة المنشودة والغرض المقصود بالذات وما سواه وسائل إليه ولفظ النعمة مفرد في معني الجمع لأن المراد الجنس، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} أي نِعَم الله، فكذلك هاهنا يتم نعمته أي: نعمه عليكم، فيدخل فيها جميع ما ذكر. وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: ولكي تشكروا نعم الله عليكم بإقبالكم على طاعته واجتنابكم لمعصيته، فإن حقيقة الشكر: الاستعانة بالنعمة على أداء حق المنعم، ولهذا عرّفه بعضهم: بأنه صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه به فيما خلق من أجله.

تنبيه:

في خاتمة هذه الآية إشارة إلى فضيلة التَّطهُر وكونه عبادة، كما في حديث أبي مالك الأشعري في صحيح مسلم: "الطهور شطر الإيمان". قال ابن العربي -رحمه الله-: (وهو أصل الدين وطهارة المسلمين) اهـ. وفي حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن" الحديث، وحديث عثمان - رضي الله عنه -: "إذا توضأ العبد المسلم فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره"، وحديث عمرو بن عبسة أيضًا في مسلم وغيره، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لبلال: "إني سمعت دفَّ نعليك"، وفي رواية: "خشخشة نعليك في الجنة" الحديث وفيه: "ما أحدثت إلا توضأت". وقد حمل الجمهور -كما سيأتي- إطالة الغرة المأمور بها على أنها إدمان الوضوء والإكثار منه، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله في بابه من هذا الشرح المبارك، نفع الله به المسلمين. وهذه الأحاديث وأمثالها والإشارة في الآية، تدل على أن الوضوء عبادة شرعت لدحض الذنوب، وإن جعلت شرطًا في صحة الصلاة مع ذلك، وتكفير السيئات وذلك يؤيد قول الجمهور بأنها عبادة مستقلة تفتقر إلى نية، لأنها شرعت كغيرها من العبادات لمحو الذنوب ورفع الدرجات عند علام الغيوب، والله الموفق للصواب والميسر للخير وإليه المآب، خلافًا لمن قال إنها وسيلة كغسل النجاسة فلا تفتقر إلى نية، وسيأتي البحث فيها مستوفى من حديث عمر - رضي الله عنه -: "إنما الأعمال الحديث" والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>