قوله:(فيقرأ القرآن) الفاء عاطفة أي بعد خروجه من الخلاء بدون وضوء، وقوله:(ويأكل معنا اللحم) لا مفهوم له عن غيره من الطعام والشراب، والمقصود أنه لم يمنعه الحدث من القراءة والأكل والشرب، ولعل التنصيص على اللحم من أجل أنه الذي صادف أن عليًا أكله معه في الوقت الذي حدث عنه. وقوله:(يحجبه شيء) أي لم يكن يمنعه شيء ويحول بينه وبين قراءة القرآن أي من أنواع الحدث، وجملة (يحجبه) في محل نصب خبر لكان. و (ليس) هنا أداة استثناء بمعنى خلا، وهي في مثل هذا تنصب ما بعدها وهو المستثنى، والصحيح في إعرابه أنه خبر ليس واسمها مستتر وجوبًا وهو البعض، أي ليس بعض الحدث الجنابة، كما هو الشأن في أخواتها أن يكون المستثنى بها منصوبًا على المفعولية والفاعل مستتر وجوبًا، وإلى حكمها أشار ابن مالك -رحمه الله- بقوله:
واستثن ناصبًا بليس وخلا ... وبعد أو بيكون بعدلا
وقد تقدم تفسير الجنابة فلا حاجة لتكراره.
• الأحكام والفوائد
الحديث: دل على منع الجنب من قراءة القرآن، وقد استثنى بعض الفقهاء من ذلك الشيء اليسير كالآية والآيتين مما جرت العادة أن يتعوذ به الناس، كآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين وهو قول المالكية، ورخص أحمد للجنب أن يقرأ الآية ونحوها، ولأبي حنيفة يقرأ بعض الآية، وقال الشافعي: يجوز ما يقصد به الذكر لا تلاوة القرآن. والجمهور على المنع، وذهب ابن المنذر والطبري وابن عباس والظاهري إلى جواز قراءة الجنب للقرآن، لحديث عائشة في صحيح مسلم: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه، وبأن الأصل عدم التحريم. وأجاب الجمهور عن ذلك بأن الحديث المراد به: الذكر غير القرآن لأنه المتبادر.
قلت: ولكنه تخصيص بدون مخصص، ولا نزاع في دخول القرآن في الذكر عند الإطلاق إلا بدليل. وأجابوا عن كون الأصل عدم التحريم بأن محله ما لم يرد ناقل عن الأصل، وقد ورد. واستدل الجمهور على التحريم بهذا الحديث، وبحديث ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يقرأ