للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدم، ولو أريد الظاهر من اعتزال النساء لكان كفعل اليهود الذي هو نزل القرآن ونطقت السنة بالأمر بمخالفتهم فيه، ولهذا قال: "اصنعوا كل شيء ما خلا النكاح" كما تقدّم، وكل شيء أي مما يتلذذ به من المرأة ومخالطتها ما عدا النكاح، فَبَيَّنَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - مراد الرب بالإعتزال في الآية بذلك فَتعين حملها عليه. وهذه الرواية مختصرة من الرواية الآتية، وسيأتي الكلام على فوائد الحديث وأحكامه، وأما الزيادة التي في الرواية الثانية فسنتكلّم عليها إن شاء الله في محلها.

• الأحكام والفوائد

الحديث: دل على تحريم الوطء في وقت الحيض وكذا الآية الكريمة، وجواز ما سواه من التلذذ، أما تحريم الوطء فهو بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. وسيأتي الخلاف في الحديث التالي في وجوب الكفارة فيه، وذلك في حق من فعله وهو يعلم حرمته وعالم به في وقت الوطء، ومن فعله ناسيًا أو جاهلًا للحكم أو لأنها حائض وقت الوطء وأحرى لو كان مكرهًا؛ فلا شيء عليه في ذلك كله، أما من فعله مستحلًا له بعد العلم بتحريمه، فهو كافر لأنه كذب القرآن والسنة وإجماع الأمة وأنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإن تعمد مع اعتقاد الحرمة فقد نص الشافعي على أنه فعل كبيرة يجب عليه منها التوبة والإستغفار. وأما المباشرة من فوق الإزار فقد تقدّمت قريبًا في الأحاديث المصرحة بجوازها، وقد ذكر غير واحد من العلماء الإجماع على جوازها لصحة الأحاديث المصرحة بذلك كما تقدّم، إلا ما نقل عن عبيدة السلماني أنه قال: لا يباشر شيئًاً منها بشيء منه. قال النووي -رحمه الله-: وهذا غير معروف ولا مقبول، ولو صح لكان مردودًا بالأحاديث الصحيحة وإجماع المسلمين قبل المخالف. وهذا فيما فوق السرة وتحت الركبة، أما ما بين الركبة والسرة فالجمهور على عدم جوازه سدًا للذريعة، وقد نسب القول بذلك لمالك وأبي حنيفة وابن المسيب وقتادة وشريح وسليمان بن يسار وطاوس وهو الأشهر عند الشافعية، وربما تمسكوا بقول عائشة: "أيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه؟ " فهذا تعليل أو كالتعليل لكونه كان يباشر من فوق الإزار، وهذا يصلح دليلًا للقول الثالث في المسألة كما سيأتي. وقال الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وداود

<<  <  ج: ص:  >  >>