للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وصاحبيه فإنهم قالوا: إذا انقطع الدم بعد عشرة أيام جاز له وطؤها قبل الغسل، وإن انقطع قبل ذلك لم يجز. احتج الجمهور بقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}، ثم قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} فعلّق الحكم على الأمرين وهما انقطاع الدم وذلك قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} في قراءة التخفيف فهو انقطاع الدم، ثم قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} وتطهرن تفعّلن أي استعملن المطهر الذي هو الغسل بالماء، وهذا عندهم بمثابة قول الله في حق اليتيم: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} فجعل إيناس الرشد شرطًا زائدًا على بلوغ النكاح، وعلّق الحكم على مجموع الأمرين. ونظيره: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فعلّق الحكم على نكاح الزوج، ثم بيّن - صلى الله عليه وسلم - أنه لابد من الوطء مع النكاح، ومع ذلك لا تحل حتى يطلّقها الثاني بعد الوطء.

واحتج أبو حنيفة: بالغاية في قوله: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} وقال: إن يطهرن هاهنا وتطهرن بمعنى واحد، والمراد بهما انقطاع الحيض، فالأول: انقطاعه لأقل من عشرة، فلا توطأ خشية أن يعود عليها الدم حتى تغتسل، والثاني: انقطاعه لعشرة فأكثر، فيجوز وطؤها، فجعل يطهرن وتطَهَّرن بمعنى، كقوله تعالى: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} فجمع بين اللغتين.

قال ابن العربي -رحمه الله-: (وهذا أقوى ما لهم، والجواب أن هذا يقتضي التكرار في التعداد، وذلك ليس من كلام الفصحاء فكيف بكلام الله -عز وجل-، وإذا أمكن حمل اللفظ على فائدة مجردة؛ لم يحمل على التكرار في كلام الناس فكيف بكلام الحكيم العليم) اهـ.

قلت: وهب أنّ يطهرن ويتطهرن بمعنى، فمن أين جاءت التفرقة في أيام الحيض؟ وكيف جعل أحد اللفظين المتحدين عندهم المراد به انقطاع الدم بعد عشرة والآخر لأقل؟ وهذا بأن يكون تشريعًا زائدًا أولى من أن يكون تفسيرًا للآية.

وقد قال ابن العربي بعد حكايته لقولهم في الفرق بين انقطاع الدم لعشرة أيام ولأقل من ذلك: (وهذا تحكم لا وجه له، وقد حكموا للحائض بعد انقطاع الدم في العدة بالحبس في العدة، فلزوجها ارتجاعها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فعلى قياس قولهم هذا: لا يجوز أن توطأ حتى تغتسل) اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>