وقوله:(فبعث الطلب) يحتمل أنها عاطفة أو أنها سببية، والمراد بالطلب: جماعة يطلبونهم، وفي رواية: أنه بعث كرز بن جابر في خيل من المسلمين، وكرز -بضم الكاف وسكون الراء وآخره زاي- بن جابر من بني فهر بن محارب، وفي رواية: كانوا عشرين وفيهم سلمة بن الأكوع وبريدة بن الحصيب، وفي رواية: كان فيهم أبو ذر، وفي أخرى: كان معهم قائف، وكان فيهم بلال بن الحارث وأبو رهم وعبد الله بن عمرو بن عوف المزني وجندب ورافع ابنا مكيث الجهنيان.
وقوله:(فأتي بهم) أي جاء بهم القوم الذين بعثوا في أثرهم.
وقوله:(فسمّروا أعينهم) أي فقؤوها بمسامير من حديد أحميت لهم كما في رواية البخاري: أنه أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها. وفي رواية لمسلم: فسمل، والسمل باللام: فقء العين بأي شيء، فلا ينافي رواية الأكثرين لأنّ السمر أخص من السمل، قال أبو ذؤيب الهذلي:
والعين بعدهم كأنَّ حِدَاقها ... سملت بشوك فهي عورٌ تدمع
وقد يطلق السمر على السمل كما تقدم، وقوله:(قطعوا أيديهم) أي أيدي كل واحد منهم ورجليه، وإنما فعل ذلك بهم من أجل أنهم فعلوه بالراعي فهو قصاص منهم، وقوله:(تركوا) أي تركهم الناس في الحرة التي هي قريبة من محل فعلهم بالراعي.
وقوله:(على حالهم) أي مقطعة أيديهم وأرجلهم حتى ماتوا على تلك الحال، وقد قيل: إن هذا الفعل كان قبل النهي عن المثلة فهو منسوخ به، وهذا لا يصح على قول الأكثرين إن لم يكن محل اتفاق أن النهي عن المثلة بعد وقعة أحد في الثالثة من الهجرة، ولهذا اعتمد على الآية جماعة من العلماء في مثل هذا من قطع الأيدي والأرجل في المحاربين الخارجين عن طاعة الإِمام، وفسروا به المراد من آية المائدة {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} الآية.
• الأحكام والفوائد
الحديث فيه مسائل من العلم، منها: ما يتعلق بعقوبة المحاربين، وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه في تأويل الآية الكريمة {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ} الآية.