للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وباقي ما يتعلق به يذكر هنا إن شاء الله. والمصنف -رحمه الله- أورده هنا لبيان حكم بول ما يؤكل لحمه، فإن قصة هذه الذود وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - للقوم بأن يشربوا من أبوالها والتداوي بذلك؛ استدل به جمهور العلماء على طهارة بول وورث ما يؤكل لحمه، لأنه دل على طهارة بول الإبل، والبعر له حكم البول فألحقوا مأكول اللحم بها، وعضدوا ذلك بالصلاة في مرابض الغنم، والطواف على البعير وبوله عادة على فخذيه، ودخوله للمسجد لا يؤمن أن يبول ويبعر فيه. وهذا القول مذهب جمهور العلماء مالك وأحمد والأوزاعي وأتباعهم والنخعي والزهري ومحمد بن الحسن وزفر صاحبي أبي حنيفة، وقال به من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والأصطخري والروياني، وبه قال الشعبي وعطاء وابن المسيب والثوري والحكم وابن سيرين، وذكر العيني عن أبي داود وابن علية: أن بول كل حيوان طاهر ولو لم يكن مأكول اللحم إلا الآدمي، وخالفهم في ذلك الشافعي وأكثر أصحابه وأبو حنيفة، وذكره ابن حزم عن جماعة من السلف ونسبه ابن حجر إلى الشافعي والجمهور، هكذا قال، فلينظر. وقد احتج القائلون بالنجاسة بعموم لفظ حديث ابن عباس في قصة المقبورين وفيه: "أما أحدهما فكان لا يستتر من البول"، وادعوا أن "أل" في البول للجنس فتعم سائر أنواع البول ولم يخصص بول الإنسان. وهذا الإستدلال بعيد لأن حمل "أل" في الحديث على الجنس غير ظاهر، بل الظاهر خلافه وهو أنها للعهد الذهني، فإن الذهن لا يسبق إليه في مثل هذا إلا بول المذكور، أو أنها بدل من المضاف إليه الذي هو ضمير الإنسان المقبور كما في الرواية الأخرى: "لا يستتر من بوله"، وهذا صريح في المراد من البول، وهو أقوى من غيره والرواية في صحيح البخاري وغيره، ولهذا قال البخاري -رحمه الله-: ولم يذكر سوى بول الناس. قال ابن بطال: أراد البخاري أن المراد بقوله: "كان لا يستتر من البول" بول الإنسان لا بول الحيوان، فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول الحيوان جميعه، وقال محمَّد بن علي الشوكاني -رحمه الله-: والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه؛ تمسكًا بالأصل واستصحابًا للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة، فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما، ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلًا كذلك، وغاية ما جاءوا به حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>