للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النص بتحريمه عليه وهو بمكة -مع احتمال أن يكون النهي عنه متأخرًا عن هذه القصة- هو أكل ما أهلّ به لغير الله به، مع أنه قد ورد عنه في السيرة أنه كان لا يأكل قرابين الأصنام. أما الأكل من ذبائح قومه؛ فهو الظاهر بل المتعين على أصل البراءة قبل النهي، ومن الجائز أنهم كانوا يذبحون بعض الذبائح ولا يذكرون عليها أسماء الأصنام، وظاهر كلام النووي والعيني -رحمهما الله- الحكم بأن هذا الفرث والدم والسلا أن ذلك كله نجس، وذلك لأنّ كلًا منهما مذهبه نجاسة فرب مأكول اللحم كبوله وروثه، كما تقدم في حديث العرنيين قبل هذا بحديث. ولأجل حكمهم له بالنجاسة تنوعت أجوبتهم عن استمراره في الصلاة، وغالب ما ذكراه من ذلك لا يخلو من تكلف، لأنّ القضية لا خلاف أنها كانت بمكة قبل نزول تفصيل الأحكام بالمدينة، فيتطرق لها من الإحتمال كثير حتى على القول بتسليم الحكم بالنجاسة على الفرث وما معه، وقد تقدم الخلاف فيه وأن الأدلة فيه على الطهارة أقوى. وإذا علمنا أنه كان يأكل اللحم بمكة لأنه لم ينقل عنه أنه كان يتقيه -إلَّا ما تقدم مما ورد في السيرة من أنه كان لا يأكل قرابين الأصنام وهي أخص من غيرها- وذلك يدل على أن ذبائحهم التي لم يذكروا عليها اسم آلهتهم؛ كانت مباحة له على البراءة الأصلية ولو اتقاها لنقل ذلك عنه. وأجزاء المذكى كلها حكمها واحد في الطهارة والإباحة، ومن الدليل على طهارته تماديه على الصلاة وهو عليه، فهو قرينة تدل على ما تقدم من عدم تحريم ذبائحهم عليه، فإنه - صلى الله عليه وسلم -خلع نعليه في الصلاة لأن جبريل أخبره أن في أسفلها أذى، فلو كان هذا نجسًا لما أقره على استمراره في الصلاة معه.

وفي الحديث دليل على جواز الدعاء على الكفار بالهلاك، وقد يقال: إن هذا كان قبل النهي، وأحسن منه في الجواب أن الذين خصهم لعله علم من أمرهم بالوحي أنهم لا يؤمنون، وعلى كل المنهي عنه الدعاء على الكافر المعين ما لم يتبين أنه من أهل النار. وفيه: استحباب الدعاء ثلاثًا وكذلك تكرار الفائدة ليفهمها السامعون، وفيه: جواز الدعاء على الظالم إذا لم يستطع الإنتقام منه، وفيه الحديث حديث معاذ: "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"، وفيه: بيان بعض ما كانوا يفعلونه من أذيته - صلى الله عليه وسلم - فيصبر على

<<  <  ج: ص:  >  >>