قال البدر محمود بن أحمد بن موسى العيني -رحمه الله تعالى وإيانا-: استدل به أصحابنا -يعني أصحاب أبي حنيفة- على أن الإِناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر القائم من النوم بإفراغ الماء على يديه مرتين أو ثلاثًا قال: وذلك لأنهم كانوا يتغوّطون ويبولون ولا يستنجون بالماء، وربما كانت أيديهم تصيب المواضع النجسة فتتنجس، فإذا كانت الطهارة تحصل بهذا العدد من البول والغائط وهما أغلظ النجاسات، كانت أولى وأحرى أن تحصل مما هو دونهما من النجاسات.
قلت -والله الموفق للصواب: العجب منه على جلالة قدره وعلمه يرتضي مثل هذا الدليل، فإن سكوته عليه دليل على ارتضائه له على ما فيه:
أولًا: فإنه قياس مصادم للنّص، وهو فاسد الاعتبار لأن العدد في غسل الإناء من ولوغ الكلب منصوص بالسبع، والخلاف إنما هو في الثامنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثانيًا: التعليل في ولوغ الكلب بالنجاسة غير مسلَّم، فإن من لا يرى نجاسة الكلب كما هو مذهب أهل المدينة: ابن شهاب ومالك، وهو ظاهر صنيع البخاري كما يأتي؛ لا يرى علة تكرار الغسل للنجاسة، بل يقول إنه للتعبد، ويستدل بذكر العدد لأنه لا يعرف في شيء من النجاسات اشتراط العدد في الغسل، وقد تقدم ذلك.
ثالثًا: على فرض التسليم: لا يكون تغليظ نجاسة البول والغائط، أشد منه عند القائلين بالنجاسة وتغليظها، أي في غسل الإناء من الولوغ، بل يرون الحديث دليلًا على تغليظ نجاسته أكثر من غيرها، لانفراده بهذه الصفة في التطهير، والاتفاق على أن نجاسة البول والغائط لا يطلب فيها إلا غسلها حتى تزول، من غير ذكر للعدد، إلا ما ذكره هو في شرح البخاري: أنه يستفاد من هذا الحديث استحباب التثليث، وهو غير مسلَّم.
رابعًا: أن الحنفية لا يقولون بوجوب غسل اليد عند القيام من النوم حتى يكون أصلًا عندهم، فكيف يردون بالقياس عليه النّص الثابت في الكلب.
خامسًا: إن هذا القول مبني على تعليل الأمر في غسل اليدين عند القيام من النوم، بالنجاسة الخاصة بمحل الاستنجاء، وهم لا يقولون بذلك حتى