واستدل بالحديث من قال بأنّ ورود النجاسة على الماء القليل يؤثر فيه، بخلاف وروده عليها كما في حديث بول الأعرابي. ووجهه: أن تعليل النهي هنا صادق باحتمال أمرين، أحدهما: تنجيس الماء وذلك فيما إذا قدر ملاقاة اليد لنجاسة، والثاني: الحكم بالتأثير على الماء الذي هو أعم من التنجيس والتغيير بغير النجاسة. فأما عند القائلين بمفهوم حديث القلتين فيقولون: إذا كان إدخال اليد مع الشك مؤثرًا، فالتأثير بالقليل من النجاسة المحقق أولى، لكن يلزمهم القول باطراح الماء، وهم لا يقولون بذلك إلا شيئًا يروى عن الإمام أحمد أنه إذا أدخل يده بعد القيام من نوم الليل أعجب إليه أن يريقه، وورد فيه حديث ضعيف نسب إلى ابن عدي:"فليرقه" ولكنه لا يثبت، وقال: إنها زيادة منكرة. وكلام أحمد هذا يحتمل اعتقاد تغيير الماء كما تقدم، ويحتمل أن يكون كره استعماله، وهو ظاهر العبارة، ويوافقه مذهب مالك في الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة لا تغيره، فإنه يكره استعماله مع وجود غيره. ونقل العيني: أن داود والطبري القائلين بوجوب غسل اليدين يقولان: إنه لو أدخل يده قبل الغسل يتوضأ بالماء ويجزئه الوضوء به. ويستفاد من التعبير بإنائه أي المتوضئ، أنه الذي جرت العادة بوضع ماء الوضوء فيه، ويؤيده رواية "ماء وَضوئه"، فلا يدخل في ذلك الأواني الكبيرة وغيرها كالبرك والحياض، فعموم الإناء يخصصه التنصيص على الوضوء، إلا أنهم ألحقوا به ماء الغسل للمغتسل لعدم الفارق، مع الجامع في العلة المذكورة. ويستفاد منه استحباب الاحتياط في العبادات وأمور الدين، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه" إلخ.
وفيه على تعليل الشافعي: دليل على أن محل الاستنجاء لا يطهر إلا بالماء، وهو يقتضي اعتبار الحكم في النجاسة بعد زوال العين، لكنه بعد المسح معفو عنه حتى يغسل ما يعفى عن أسفل النعل والخف وذيل المرأة، فإن الكل إذا مرّ بالنجس ومسح عفى عنه، وجازت الصلاة مع بقاء الحكم، ولو ابتل محله وأصاب شيئًا نجسه، خلافًا لمن زعم أن زوال العين يزول به الحكم. وفيه على قول ابن عبد البرة دليل على وجوب الوضوء من النوم، وستأتي هذه المسألة مفصلة. وفيه على قول بعض العلماء: استحباب الكناية عما يستقبح ذكره، لقوله:"لا يدري أين باتت يده".