للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأول: ما قدمنا أن هذا التعليل المنصوص، لا يفيد أكثر من الشك في طهارة اليد أو تلوثها بما يؤثر على الماء، والتعليل بهذا يفيد إناطة الحكم به.

الثاني: إذا كان الأمر كذلك، فالتعليل بالشك لا يقتضي وجوبًا إذا كان الأصل المستصحب خلافه كما هنا، بخلاف ما إذا كان الأصل المستصحب يوافق الأمر أو النهي المعلل بالشك، كما في النهي عن أكل الصيد إذا شك في الذكاة، مثل ما جاء في حديث عدي بن حاتم في الصحيحين وغيرهما: "فإن وجدت مع كلبك كلبًا آخر فلا تأكل"، وكذلك قوله في الرواية الأخرى: "فإن أكل فلا تأكل" لأنه علل في الأول باحتمال كون الكلب الثاني هو الذي قتل، وفي الثاني باحتمال كونه أمسك لنفسه، على ما يأتي إن شاء الله، فلما كان الأصل عدم الأكل حتى تتحقق الذكاة؛ خالف ما هنا.

ثالثًا: إن ذكر العدد في التطهير للنجاسة ليس موجودًا، إلا ما ورد في ولوغ الكلب عند من علّله بالنجاسة، ولذا رأى مالك أنه قرينة على أن الأمر فيه تعبدي، وليس للنجاسة كما يأتي.

رابعًا: من الدليل على عدم الوجوب: حديث المسيء صلاته، حيث قال له - صلى الله عليه وسلم -: "توضأ كما أمرك الله" فهو يدل على أنه لو اقتصر على الأعضاء المذكورة في الآية صحت صلاته، وذلك يستلزم أن يكون الفرض في الوضوء مقصورًا عليها، وإلا لما أحاله عليها.

خامسًا: إن السنة ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوضوئه أمام الصحابة وأخذوا ذلك عنه، فكان يغسل يديه كلما أراد الوضوء لا يفرق بين حالة وحالة، وتقدم أن ذلك غير محمول على الوجوب، لأنه زائد على ما في الآية فدل على استحبابه، وبقي ذكره في هذه الحالة دليلًا على تأكد الاستحباب، مع كونه مطلوبًا فيها وفي غيرها لقوة المظنة المذكورة، ولذلك كان الشافعي -رحمه الله- يرى تعليل ذلك بأن أهل الحجاز كانوا يستجمرون بالأحجار، فربما عرقت يد أحدهم في المكان وهو نجس فتتنجس، لاسيما في وقت الحر والبلاد حارة، ولكن هذا يلزم منه تخصيص الحكم بهم وبمن هو في مثل حالهم، وفيه ما فيه: لأن التعليل المذكور بهذا يفيد أن الحكم خاص بحالة إمكان الشك وقصر الغسل عليها، وهو مردود بما تقدم من السنة فيه على كل حال، من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>