و"يدري" مضارع "درى" التي هي أحد أفعال القلوب الناصبة لمفعولين، من قولهم: درى الشيء يدريه: ودرى به إذا علم به، وهي من القسم الذي يقع فيه التعليق: وهو ترك العمل في اللفظ دون المعنى، ويقع فيه الإلغاء: وهو تركه في اللفظ والمعنى، وهي هنا معلقة بالاستفهام الذي هو "أين". و (أين) اسم استفهام، ويكون ظرفًا مبتدأ به الكلام فضلة معمولًا لما بعده لأن له صدر الكلام، فلا يعمل ما قبله فيه، وهو مبني على الفتح. وقوله:(باتت) من البيتوتة، وأصلها اتصاف المخبر عنه بالخبر بالليل، وقد تطلق على مجرد الاتصاف على سبيل التوسع، وهي من الأفعال الناسخة غير أنها تامة تكتفي بالمرفوع. وتقدم أن في بعض الروايات بزيادة (منه)، وأن ابن منده قال: إنها غير محفوظة وإن كان رواتها ثقات، وفي لفظ:(طافت) بدل (باتت).
• الأحكام والفوائد
الحديث صريح في النهي عن إدخال اليد في الإناء بعد القيام من النوم، وذلك يستلزم الأمر بغسلهما كما جاء مصرحًا به في بعض الروايات، وظاهره العموم في نوم الليل والنهار كما تقدم، والأصل في النهي حمله على التحريم إلا بدليل صارفٍ أو بقرينة، كما أنّ مقتضى الأمر الوجوب إلا بصارف من دليل أو قرينة.
ولذا اختلف علماء الإِسلام في حكم هذه المسألة، فذهب داود الظاهري وابن حزم إلى القول بالوجوب، مع حمل اللفظ على العموم في سائر حالات القيام من النوم، ونسب ذلك إلى الطبري -رحمه الله-. وذهب الإِمام أحمد إلى القول بالوجوب، لكن خصّص ذلك بنوم الليل دون نوم النهار، بقرينة قوله:(باتت يده)، ويؤيده رواية الترمذي وأبي داود:"إذا قام أحدكم من الليل"، ولابن ماجه:"إذا استيقظ أحدكم من الليل" وفي رواية لأبي عوانة، وذكر العيني وابن حجر أن مسلمًا ساق إسنادها:"إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح". وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة لإدخال اليد في هذه الحالة. وحملوا الأمر بالغسل على الاستحباب، ولم يفرقوا بين نوم الليل ونوم النهار، وجعلوا تخصيص الليل بالذكر لأنه مَظنّة جولان اليد أكثر، مع أن النوم فيه أكثر من غيره، وأناطوا الحكم بالعلة المذكورة وهي عندهم ظنيّة، ولذا لم يفرقوا أيضًا بين النوم واليقظة، لوجود تلك العلة ولو في بعض الأحيان، واستدلوا بأمور: