بها في الوضوء، والقطع، وأمّا هنا فإنما يؤخذ بيان ذلك من جريان العادة، أن الذي يدخل في الإناء هذا المقدار المذكور. وقوله (في وَضوئه) بفتح الواو، اسم لما يُتَوضأ به، كالطهور اسم لما يتطهر به، وكذلك الوَقود اسم لما يوقد به، وإن أريد الفعل؛ ضمّ الحرف الأول فقيل: وُضوء وطُهور ووُقود، وهذا هو الأكثر في الاستعمال. وأصل الوضوء: من الوضاءة، وهي الحسن والإِنارة، ومنه قول الشاعر:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجَزْع ثاقبة
أي أنارت لَهُم، وهو أيضًا النظافة تكون معنوية كما في البيت، وحسيّة كالطهارة بالماء المعروفة، وإذا أطلق شرعًا لا ينصرف إلا إلى غسل الأعضاء المعروفة، على الوجه المبيّن في السنة كما تقدم، وكما يأتي إن شاء الله. وقد يطلق على غسل اليدين كما في قوله:"الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر إلخ". والمراد بالوضوء هنا: الماء الذي جرت العادة أنّه يجعل في الإناء ليتوضأ به الإنسان، ولهذا جاء في رواية لمسلم وابن خزيمة ومن وافقهما:(فلا يغمس يده في الإناء) بدل الوضوء. وقوله:(حتى) لبيان غاية النهي عن إدخال اليد، فهو دليل على جواز الاغتراف من الوضوء بعد غسلها، وكذلك الغسل، وسيأتي إن شاء الله أن ذلك أكثر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو معنى "حتى" الغالب عليها، فإنها تأتي لثلاثة معان: هذا أكثرها وأغلبها، والثاني: التعليل، والثالث: أن تكون بمعنى إلا في الاستثناء وهو قليل فيها، ذكره ابن هشام -رحمه الله- وذكر أنها تستعمل على ثلاثة أوجه: تكون حرفًا بمنزلة إلى، وتكون عاطفة بمنزلة الواو، وتكون حرف ابتداء وتدخل على الجملة الاسمية والفعلية. ورواية (لا يغمس) أبين في المراد من رواية (لا يدخل)، لأنّ المنهيّ عنه الغمس والإِدخال في الإِناء أعم منه، فلو أدخل يده في الإناء ولم يغمسها لا يكون مخالفًا بذلك، لأنّه قد يدخلها بآلة ليغترف بها. وقوله:(يغسلها ثلاثًا) أي: بإفراغ الماء عليها، كما جاء في رواية البزار:(حتى يفرغ عليها). وقوله:(فإن أحدكم) الفاء تفيد التعليل للنهي المذكور، ومقتضاها: أن اليد بعد القيام من النوم، يشك في سلامتها من ملابسة شيء يؤثر في الماء، وسيأتي أن هذه العلة وإن كانت مظنتها في النوم أكثر، قد تحصل أيضًا في اليقظة، غير أن التعليل بالشك لا يوجب الغسل، كما يأتي إن شاء الله. وقوله:(لا يدري)"لا" نافية