للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن الأحاديث كما قدمنا ليست صالحة لمعارضة الروايات الثابتة في الصحيحين؛ لتحتم المصير إلى الزيادة، ولا شك أن زيادة الضربة والمسح أحوط. والذي يترجح عندي أنه الأصوب إن شاء الله؛ أن يضرب المتيمم ضربة يمسح بها وجهه وكفيه، ثم يضرب أخرى فيمسح بها يديه إلى المرفقين، وهو قول في مذهب المالكية, لأن الفرض إن كان بالضربة الأولى والمسح إلى الكوعين فقط؛ فقد جاء به على وجهه، ثم يحتاط بالثانية كما تقدم.

قال البدر العيني -رحمه الله-: (ولما كانت الأحاديث عن عمار مختلفة وذهب كل واحد من المذكورين إلى واحد منها، كان الرجوع في ذلك إلى ظاهر الكتاب، وهو يدل على ضربتين: ضربة للوجه وضربة لليدين، قياسًا على الوضوء واتباعًا لما روي في ذلك من أحاديث تدل على ضربتين: إحداهما للوجه والأخرى لليدين إلى المرفقين) اهـ.

قلت: يريد بذلك أن ذكر اليدين في الوضوء محدد بالمرفقين، والتيمم بدل منه والمسح فيه مجمل، فيُحمل الفرع المجمل على أصله المبين، فيؤخذ منه أن نهاية البدل نهاية المبدل منه، أعني أنه يبلغ في المسح إلى محل ما يبلغه في الغسل. وأما الدلالة على الضربتين فغير ظاهرة في الكتاب: إلا أن يقال: لما كان الوضوء لا تغسل فيه اليدان بماء الوجه؛ كان القياس أن التراب كذلك.

قلت: وهذا يأباه أنه قياس مصادم للنص، فهو فاسد لا يعتبر، وهو من نوع قياس عمار للتيمم من الجنابة على الإغتسال لها في تعميم البدن، ففرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين حال الطهارتين وبين أن التيمم صفته واحدة للحدثين الأكبر والأصغر.

ومن فوائد الحديث: أنه دل على مشروعية التيمم عند فقد الماء، من غير فرق بين الجنب وغيره. قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقد أجمع العلماء على ذلك ولم يخالف فيه أحد من الخلف ولا من السلف، إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وحكي مثله عن النخعي؛ من عدم جوازه للجنب. وقيل: إن عمر وعبد الله رجعا عن ذلك) اهـ.

ومن فوائده على ما قال ابن دقيق العيد: أنه يدل على صحة القياس كما تقدم، وهو عند ابن حزم بعكس ذلك، وسيأتي مزيد فيه في شرح حديث عمار هذا في الرواية الآتية (٣١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>