للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفعل عمار يدل على أنه كان قد عرف أن الصعيد كافيًا، ولهذا لم ترد هذه اللفظة في أكثر روايات الحديث، ولعل أصل العبارة إن كان التيمم بالصعيد، ولهذا قال: (وضرب بكفيه) أي ليريه كيفية التيمم، والهيئة التي تكفيه من ذلك ويكفيه الصعيد فيها. وقول عمر: (اتق الله يا عمار) لم يرد في الرواية الأولى، لكن تقدم أننا أشرنا إلى أن قول عمر لعمار: بل نوليك في ذلك ما توليت؛ سببه هذه اللفظة الثابتة هنا وهي قوله: (اتق الله يا عمار فقال عمار: إن شئت لم أذكره، فقال عمر: بل نوليك إلخ) وتقدم شرح الحديث مستوفى والحمد لله، ولكن بقي بعض الفوائد. تذكره هنا إن شاء الله.

• الأحكام والفوائد

فمنها: استفتاء الإنسان عن الأمر الذي ينوبه في بعض الأحيان وهو واجب لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} وقد تقدم له نظائر، ومنها: أن العالم قد ينسى الحكم الذي مر عليه أو يكره الفتيا به خشية مفسدة تترتب عليه، ومنها: تذكير الإنسان للعالم أو المفتي بالأمر الذي يعلم أنه قد سبق علمه به، وذلك لا ينافي الأدب بل هو من الواجب في الأحكام، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا نسيت فذكروني"، ومنها: التأدب مع الولاة واحترامهم في التذكير والمراجعة، ومنها: أن عمر - رضي الله عنه - كان لا يرى التيمم للجنب ولا يرى أن اللمس في الآية المراد به الجماع لأنه لو كان يرى ذلك لكان الحكم عنده منصوصًا عليه في الآية، لأن الله قال: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فمن يرى أن الملامسة في الآية الجماع فالتيمم للجنابة عنده منصوص عليه، ومثل عمر ابن مسعود في ذلك -رضي الله عنهما-. واستدل به ابن حزم على عدم صحة القياس, لأن عمارًا قاس التطهير من الجنابة بالتراب على التطهير منها بالماء، في الكيفية التي هي تعميم البدن فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجيب عنه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يردّ عليه في أصل القياس الذي هو قياس التطهير من الجنابة بالتراب على التطهير منها بالماء في الجملة، وإنما رد عليه في كيفية ذلك الإلحاق, لأن الوجه الذي اعتبره عمار في هذا القياس غير موجود في الأصل الذي هو التطهير من الحدث الأصغر. وتوضيح ذلك أن هذا الأصل المنصوص في الحدث الأصغر عند عمار؛ اعتبار القياس فيه من وجهين: أحدهما: فاسد لعدم وجوده في

<<  <  ج: ص:  >  >>