لم يشرع لهم إذ فقد المشروعية كفقد عين التراب، وقد صلّوا ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة. ولو كانت واجبة لما أخر ذلك لما فيه من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه. وقد قيل: إن البيان لم يتأخر لأن الإعادة موسع فيها، وفيه نظر لأنها وإن كانت موسعًا فيها فسكوته عن بيان حكمها لا ينبغي، لاسيما أنه من المحتمل أن يكون قد أخبروه بآخر الوقت فيكون مضيقًا. وفي الحديث دليل على عدم سقوط الصلاة بالعجز عن شرط الطهارة بفقد المطهر، لأن العجز عن الشرط لا يسقط به الفرض كالحال في ستر العورة، وكالعجز عن ركن من الأركان مثل القيام فإنه لا يسقط به الفرض، وهؤلاء قد صلّوا معتقدين وجوب الصلاة وأقرّهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وللعلماء في هذه المسألة -وهي حكم من فقد الماء والتراب- أقوال أربعة مشهورة وفيها قول خامس دونها في الدرجة، أقواها وأسعدها بالدليل ما دل عليه هذا الحديث من أنه يصلي وتجزئه صلاته، فلا تلزمه الإعادة ما لم يكن مقصرًا في الطلب، وقال به الشافعي في رواية وأكثر أصحاب مالك وجمهور المحدثين والمشهور عن أحمد، وبه قال سحنون وابن المنذري والمزني وهذا الحديث حجة لهم. وقد تقدم ما تعقب به الإستدلال على ذلك، وتقدم الجواب عنه وأنه لابد من دليل على وجوب الإعادة وليس موجودًا، ويؤيده قوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
الوجه الثاني: أنه يصلي ويعيد، وهو الوجه الثاني عن الشافعي وصححه أكثر أصحابه وهو قول لبعض المالكية، لأنه عذر نادر فلا يسقط الإعادة، وفيه أن الأصل عدمها.
الوجه الثالث: أنه لا يصلي ولا يقضي، وهو مروي عن مالك وهو رواية المدنيين من أصحابه.
والوجه الرابع: أنه لا يصلي ولكن تجب عليه الإعادة، وهو المشهور عن أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي.
وأما القول الخامس: فذكره النووي عن الشافعي في القديم أنه يستحب الصلاة وتجب الإعادة، ذكره في شرح المهذب.
٣٢٣ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ أَنَّ مُخَارِقًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ