للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أسيد في المرة الثانية يجهل حكم التيمم، وهذا في غاية البعد. والحديث في إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال، وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها، حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة وحديث عروة في تفسير النساء، فكأن نزول آية المائدة بسبب عقد عائشة وآية النساء بسبب قلادة أسماء، وما ورد من اتحاد القصة أظهر.

والمراد بحديث الباب الذي بدأ به النسائي وبدأ به أيضًا البخاري: اتحاد القصة، والمراد باتحاد القصة: كون النزول مرة واحدة، وكون العقد هو القلادة، وأنها لأسماء واستعارتها عائشة فَصَحَّت نسبتها لكل واحدة منهما على ما قدمنا، ويحتمل عندي أن قول أسيد الذي حكته عائشة، وإن كان ظاهر السياق يدل على أنه قاله في الحين؛ لكن يحتمل أنه قاله بعد ذلك لما حصلت قصة الإفك، فقال هذه المقالة وذكرت ذلك عائشة تنبيهًا على ما عرفه الصحابة من بركة النازلتين المكروهتين في الظاهر، والله أعلم.

قلت: وقول بعض المفسرين وأهل الحديث في بعض الآيات: إنها نزلت مرتين أو ثلاثًا؛ هو عندي بعيد، لأني لا أجد له معنى وجيهًا يُحمل عليه، وذلك أنها بعد النزول وهي محفوظة متلوة على ماذا يحمل نزولها؟ اللهم إلا أن يراد به التنبيه على أنها تضمنت ذلك الحكم، والله أعلم.

• الأحكام والفوائد

في هذه الرواية: فصلّوا بغير وضوء، ولم يذكر التيمم وهو محمول على أنهم لم يتيمموا، وهو ظاهر السياق والترجمة تدل عليه، ومثلها ترجمة البخاري: "إذا لم يجد ماء ولا ترابًا" ثم ذكر الحديث، ولا يكون ذلك -أي صلاتهم بغير تيمم- إلا إذا كانوا لم يعرفوا حكم التيمم، فهو يدل على أن آية التيمم لم تنزل قبل ذلك لما قدمنا من أنه يبعد أن تكون نزلت وهم يجهلون حكمها، والتصريح في السياق بنزولها حينئذٍ يدل على عدم تقدم نزولها، فيبقى الإشكال السابق ويتقوى القول بأن القصة واحدة وإن كان في السياق مغايرة بين الروايتين، وهذه الرواية يستدل بها من قال إن فاقد الماء والتراب يصلي ولا يعيد، لأن هؤلاء الذين صلّوا بدون وضوء ولا تيمم إذ لم يكونوا قد عرفوا مشروعية التيمم، فالمشروعية معدومة في حقهم فوجودهم للتراب كعدمه, لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>