للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تذكر فيه أحكام المياه، وقوله: (من المجتبى) من جملة أحاديث كتاب المصنف المسمى بالمجتبى، لأن هذا الكتاب مختصر منتخب من سنن النسائي الكبرى.

قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} ظاهره أن الماء المنزل من نفس السماء وهو ظاهر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والسماء المعرف بالألف واللام العهديتين: سقف الدنيا على الأرض وهو المرئي بالأبصار، ولم يأت هذا اللفظ في القرآن إلَّا له، وإن كان يطلق مجازًا على كل ما علاك أو بالإضافة إلى شيء كسماء البيت، وعلى حسب ذلك يكون السحاب المسخر بين السماء والأرض الذي جعله الله واسطة لنزول هذا الماء؛ ينزل عليه الماء من السماء على حالة الله أعلم بها، فيسوقه الله حيث شاء، ولهذا سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - السحب روايا الأرض، خلافًا لإعتقاد الفلاسفة أن الماء كالسحابة من بخار البحر، حتى قال الهذلي:

شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج

يصف السحب، وهذا مبني على أن المؤثر في الكون هي الطبيعة حسب اعتقاد الفلاسفة، وظاهر القرآن والسنة يخالف ذلك وقد تبرك - صلى الله عليه وسلم - بالمطر وقال: إنه قريب العهد بربه -عز وجل-، وقد نفى الله عن الفلاسفة علم ما غاب من أخبار السموات والأرضين قال تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (٥١)} فنفى عنهم علم ذلك وسمّاهم مضلين، وللبحث في هذا وتحقيقه مقام غير هذا.

قوله تعالى: ({طَهُورًا}) أي يتطهر به طاهر في نفسه مطهر لغيره، وهذان الوصفان ملازمان لجميع الماء المنزل من السماء المودع في الأرض على ظهرها أو في جوفها، على اختلاف ألوانه وطعومه وأرياحه حتى يخالطه غيره. والمخالط له على ثلاثة أقسام: قسم يوافقه في وصفيه، وهو التراب بجميع أنواعه، فإذا خالط الماء لم يغيره لأنه يوافقه في وصفيه، فهو طاهر مطهر فلا يؤثر في الماء لموافقته له فيهما. وقسم يوافقه في أحد وصفيه وهو الطهارة، ويخالفه في الوصف الآخر وهو التطهير كالمائعات الطاهرة مثل اللبن وماء الورد، فإذا خالطه وغيره سُلب الماء الوصف الذي خالفه فيه وهو الطهورية، دون الذي وافقه فيه وهو الطهارة فيصير بعد تغيره به طاهرًا غير مطهر. والقسم

<<  <  ج: ص:  >  >>