للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث: يخالفه في الوصفين معًا، فإذا خالطه وغيره سلبه الوصفين معًا، وهو النجاسات فتسلبه الطهارة والطهورية، فلا يتطهر به ولا ينتفع به في غير الطهارة.

فإذا وصف الماء بكونه طهورًا؛ اقتضى ذلك بقاءه على أصله وبقاء وصفيه وكونه مطهرًا، والطهور بالفتح: ما يتطهر به، كالوضوء لما يتوضأ به بفتح أول الاسم، وهكذا السحور لما يتسحر به، ومثله السعوط لما يتسعط به، والوقود لما يوقد به، فإذا ضمت الفاء -أي الحرف الأول من هذه الأسماء- كان المراد به المصدر. فعلى ذلك: طهورًا طاهر، وليس كل طاهر طهورًا، قال ابن الأنباري: وهذا هو المعروف عند أهل اللغة، يعني أن الفتح في هذه الأسماء للحرف الأول لما يُفعل به الفعل، فإذا أريد المصدر ضم الفاء كقولك: توضأ وضوءًا حسنًا وأوقد النار وقودًا عظيمًا. والطهور اسم مبالغة من طاهر، فاقتضت هذه المبالغة أن يكون مطهرًا لغيره زيادة على كونه طاهرًا، وهذا قول جمهور العلماء وقال أبو حنيفة: طهور بمعنى طاهر، وتعلق بقوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} يعني طاهرًا، وبقول جميل بن معمر العذري:

خليلي هل في نظرة بعد توبة ... أداوي بها قلبي على فجور

إلى رجح الأكفال هيف خصورها ... عذاب الثنايا ريقهن طهور

فوصفه بكونه طهورًا وليس بمطهر، وتقول العرب: رجل نؤم وليس منيمًا لغيره، وإنما هو وصف له بكثر نومه.

قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: وأجاب علماؤنا -رحمهم الله- عن هذا فقالوا: (وصف شراب أهل الجنة بأنه طهور يفيد التطهير من أوضار الذنوب وخسائس الصفات: كالغل والحسد، فإذا شربوا هذا الشراب يطهرهم الله من رحض الذنوب وأوصار الإعتقادات الذميمة، فجاءوا الله بقلب سليم ودخلوا الجنة بصفة السلامة فقيل لهم حينئذٍ: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ولما كان حكم الله تعالى في الدنيا بزوال الحدث بجريان الماء على الأعضاء، كانت تلك حكمته ورحمته -أي في الآخرة) اهـ.

قلت: ومما يدل عليه ما نقل عن علي - رضي الله عنه - في تفسير قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} قال: إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان، فيشربون من إحداهما فتجري عليهم بنضرة النعيم

<<  <  ج: ص:  >  >>