للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلا تتغير أبشارهم ولا تنشعث أشعارهم أبدًا، ثم يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطونهم من الأذى، ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين.

ومما يؤيده أيضًا أنه لا مجال للنجاسة حتى يذكر الوصف المنافي لها وهو الطهارة في الشراب. وقال النخعي وأبو قلابة: إذا شربوه بعد أكلهم طهّرهم وصار ما أكلوه وشربوه رشح مسك وضمرت بطونهم، وقال مقاتل: هو من عين ماء على باب الجنة -يعني الشراب الطهور، قال: تنبع من ساق شجرة، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغشّ وحسد، وما كان في جوفه من أذى وقذر وهو معنى قول علي إلَّا أن العين هنا واحدة، وعلى هذا يكون فعول فيه للمبالغة فلا متمسك فيه لقول أبي حنيفة إنه بمعنى الطاهر. وأما قول الشاعر: "ريقهن طهور" فلا حجة فيه أيضًا لأنه مبالغة، والمبالغة لا حجة فيها، وغايته أنه وصف ريقهن بكونه طهورًا، ومقتضى المبالغة أن يبلغ أقصى ما يكون من هذا الوصف، فصار كأنه جعله مثل الماء الذي يكون طاهرًا ومطهرًا، لأنه لا يكون في هذا الوصف أبلغ من هذا، فصار عنده كالماء المطهر لغيره لما بلغ من الطهارة على سبيل الإستعارة. ومن المعلوم أن المبالغة التي يستعملها الشعراء لا تثبت بها الأحكام الشرعية، لما عرُف أنهم يبلغون إلى حد الكذب، ولهذا قالوا في وصف الشعر: أعذبه أكذبه ويستعذب ذلك منهم، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦)} وربما أفضت بهم إلى الكفر الصريح كما قال بعضهم:

ولو لم تلامس صفحة الأرض رجلها ... لما كنت أدري علة للتيمم

ومثله قول المتنبي قاتله الله يفضل ممدوحه على سائر خلق الله من الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين:

لو لم تكن من ذا الورى الذْ منك هو ... عقمت بمولد نسلها حواء

فهذا الكفر الصريح فالأول جعل حكمة الله في جعل التراب بدلًا من الماء إكرام رجل محبوبته، والثاني فضّل ممدوحه على سائر الأنبياء والمرسلين وأمثاله كثيرة، ومن الكذب الذي يستحسنونه وإن كان لا يبلغ بصاحبه حد الكفر قول الآخر:

<<  <  ج: ص:  >  >>