للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

توهمها طرفي فأصبح خدها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر

وصافحها كفي فآلم كفها ... فمن ضم كفي في أناملها عقر

وهو كثير، فعلى هذا السبيل جرى الشاعر في وصف هذا الريق لتعلقه بالقلب وعذوبته عنده، وطيبه في النفس وتسكينه لغليل المحب إذا رشفه؛ بالطهورية تشبيهًا بالماء المطهر لغيره، بجامع أن طهارة كل منهما تعدت إلى غيره بهذه الصفة، فلم يخرج عن معنى الطهورية في الماء حتى يكون حجة على نفي استلزامها للتعدي في الطهارة إلى التطهير، قال القاضي أبو بكر بن العربي -رحمه الله-: (بناء فعول للمبالغة، إلَّا أن المبالغة تكون في الفعل المتعدي كما قال الشاعر وهو أبو طالب يمدح مسافر بن عمرو:

ضروب بنصل السيف سوق سمانها ... إذا عدموا زادًا فإنك عاقر

وتكون في الفعل القاصر كما قال امرؤ القيس:

ويضحي فتيت المسك فوق فراشها ... نؤم الضحى لم تنتطق عن تفضيل

قال: وإنما تؤخذ طهورية الماء من الحس نظافة ومن الشرع طهارة، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، وأجمعت الأمة لغة وشرعًا على أن وصف الطهور يختص بالماء، أي دون سائر المائعات ولا يتعدى إلى شيء منها وهي طاهرة، فاقتصارهم بذلك على الماء أدل دليل على أن الطهور هو المطهر. وقد جاء الفعول لوجه ليس من هذا كله، وهو العبارة به عن الآلة للفعل لا عن الفعل، مثل سحور ووقود فإنها الطعام والحطب، فوصف الماء بأنه طهور يكون خبرًا عن الآلة التي يتطهر بها، إلى أن قال: فثبت بهذا أن اسم فعول بفتح الفاء يكون بناء للمبالغة واسمًا للآلة، قال: وهو الذي خطر ببال الحنفية ولكن قصرت أشداقهم عن لوكه. وبعد هذا يقف البيان عن المبالغة على الدليل بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} وقوله -عليه السلام-: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، فيحتمل الآلة فلا حجة فيه لعلمائنا، ولكن يبقى قوله تعالى: {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} فإن فعله يتعدى إلى غيره، أي أن الطهور المراد به المبالغة التي تجعله متحديًا إلى غيره) اهـ بتصرف يسير.

قلت: ينبغي أن يخص الإحتمال المذكور بالماء دون التراب، لأن الإتفاق حاصل على أن المراد التيمم بها بدل الوضوء، كما في الحديث الآخر: الصعيد

<<  <  ج: ص:  >  >>