للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العذاب. وظاهره أن الأنبياء قبله صلوات الله وسلامه على الجميع؛ لم يكونوا يصلون إلَّا في أماكن مخصوصة كالصوامع والكنائس، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية عمرو بن شعيب: وكان من قبلي إنما يصلون في كنائسهم.

وللبزار من رواية ابن عباس كما ذكره ابن حجر: ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه، وقد قال بعض العلماء: إن محل الخصوصية جمع الأمرين، فلا ينافي جعلها مسجدًا لغيره من غير أن تكون له طهورًا، أو أن شرط كونها لهم مسجدًا تحقق الطهارة، أما بالنسبة له - صلى الله عليه وسلم - فلا يشترط ذلك بل يكفي ألا تحقق النجاسة. واستدل لقوله هذا بأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة، وهذا يأباه التصريح بالخصوصية وعدم ثبوت نص في الشرع يدل عليه، بل التصريح بالخصوصية في حديث الباب يدل على خلاف ذلك. وعلى فرض تسليمه مع بُعده يحتمل أنه كان يسيح في غير وقت الصلاة، أو كان لا يسيح في أرض إلَّا بني بها صومعة للصلاة، أو كانت الصلاة عليه غير مؤقتة بوقت، أو كان يجوز في شرعه تأخيرها إلى محل الصومعة، إلى غير ذلك من الإحتمالات، وهذا كله على فرض ثبوت ذلك عنه، وهو بعيد كل البعد لعدم نص يصرح به مع التصريح بخلافه. وأكاذيب النصارى في ذلك غير مقبولة مادام الشرع يدل على خلافها، وإنما شرع لنا التوقف عن تكذيب أهل الكتاب أو تصديقهم فيما لم يتعرض له شرعنا بنفي ولا إثبات. و (مسجدًا) هنا المراد محل السجود، أي هي محل لإيقاع السجود فيها، وأصله: وضع الجبهة على الأرض، فسمي به محل الصلاة لأن هذا الفعل من أركانها اللازمة فيها.

وقوله: (طهورًا) تقدم الكلام على لفظة الطهور وأنه اسم لما يتطهر به، فاللفظ يستلزم أن يكون مطهرًا لغيره، ومن أدلة ذلك هذا الحديث لأنه لو قصد به كونها طاهرة لما كان ذلك فيه خصوصية، وإنما الخصوصية في التطهر بها للصلاة عند فقد الماء أو العجز عن استعماله، والحديث سيق لبيان الخصوصية فتعين بذلك أن اللفظ الوارد فيه دال على وجه الخصوصية التي هي التطهر بها، ولابن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس مرفوعًا: جعلت لي كل أرض طيِّبةٍ مسجدًا وطهورًا. والمراد بقوله: طيبة؛ أي: طاهرة، فلو كان طهورًا طاهرًا لكان تحصيل الحاصل، ذكره ابن حجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>