للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وهو يدل على أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض، ويؤيده توكيد ذلك في حديث أبي أمامة: جعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدًا وطهورًا. ومن خصص التيمم بالتراب منها؛ فإنما تمسك بظاهر حديث حذيفة في صحيح مسلم بلفظ: "جعلت لنا الأرض مسجدًا وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء"، فجعلوا الحديث خاصًا ينبغي أن يحمل عليه العام فتختص الطهورية بالتراب منها، وقووا ذلك الإستدلال بافتراق اللفظ فإنه أكد في المسجد فقال: كلها مسجدًا، وخص في الطهور فقال: تربتها، فدل ذلك على الإفتراق في الحكم لأنه لو كان الأمر واحدًا عامًا في الإثنين؛ لعُطف الثاني على الأول نسقًا كما في الحديث هنا، فإنه معطوف نسقًا.

وَرُدَّ: بأن تربة كل مكان أرضه ما كان من تراب وغيرها، وأجيب عنه بأن ابن خزيمة روى الحديث المذكور بلفظ التراب، ونحوه لأحمد والبيهقي بإسناد ذكر ابن حجر أنه حسن.

وقال العيني -رحمه الله-: أجيب عن هذه اللفظة -يعني لفظة تربتها- بقول الأصيلي: تفرد أبو مالك بهذه اللفظة، وقال القرطبي: ولا يظن أن ذلك مخصص له، فإن التخصيص إخراج ما تناوله العموم عن الحكم، ولم يخرج هذا الخبر شيئًا وإنما عيَّن واحدًا مما تناوله الاسم الأول مع موافقته في الحكم، فصار بمثابة قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) وقوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}، فعيّن بعض ما تناوله اللفظ الأول مع الموافقة في المعنى على جهة التشريف، وكذلك ذكر التربة في حديث حذيفة. ويقال: الإستدلال بلفظ التربة على خصوصية التيمم بالتراب ممنوع، لأن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره كما تقدم، ولأن تعيين التراب قد يكون لأجل كونه أمكن وأغلب: على أن التمسك باسم الصعيد الوارد في القرآن وفي كثير من الأحاديث أولى، وهو وجه الأرض كما قدمناه في شرح الآية الكريمة من هذا الكتاب المبارك، وتقدم معظم هذا البحث هنالك. وأقول: إن قصر الرخصة على التراب فيه تضييق عظيم، ولا أظن أن من سافر في كثير من البلدان إلَّا يدرك أن أجزاء كبيرة من الأرض لا تعرف الغبار، ولا يوجد فيها بل هي رمال لا يرى أثر للغبار، ولو منع أهلها من

<<  <  ج: ص:  >  >>