للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التيمم عليها مع قلة الماء فيها، لكان في ذلك من الحرج عليهم ما لا يقدر قدره، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وقال في الآية التي نزلت في الرخصة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} وتخصيص الرخصة بالغبار أعظم حرج في هذا الباب.

وقوله: (فأينما أدركت الرجل) وفي رواية البخاري: فأيما، وهما متقاربتان في المعنى لأن كلًا منهما مضمن معنى الشرط، وإن كانت أين للظرفية؛ فهو ظرف مضمن معنى الشرط منصوب المحل على الظرفية لقوله: (أدركت)، وهو مبني لشبهه بالحرف في الإستعمال من جهة المعنى، وهو الذي يسمونه الشبه المعنوي عند النحويين. وقوله: (يصلي) جواب الشرط واستغنى عن الفاء لكون الفعل مضارعًا، والتقدير: ليصلي بعد التيمم، أي: لتيمم وليصل، كما في الرواية الأخرى: فمعه مسجده وطهوره.

و(ما) في قوله: (أينما). زائدة لتوكيد العموم، وقوله: وأعطيت الشفاعة؛ أي أعطاني الله أن أشفع، والشفاعة: بذل الجاه في سؤال الخير من جلب نفع أو دفع ضرر عن الغير، أي طلب ذلك من الغير للغير، أي يفعله عند شخص للحصول على أحد الأمرين للغير، ومن هذا كون الدعاء للغير شفاعة كما في الدعاء للميت في صلاة الجنازة: جئناك شفعاء، أي: طالبين للميت الخير والنجاة من الشر، وهو معنى تعريف الشفاعة بأنها: كلام الشفيع في حاجة غيره. وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى-: الأقرب أن أل في الشفاعة للعهد، والمراد: الشفاعة العظمى في إراحة الناس من الموقف، ولا خلاف في وقوعها، وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل.

قلت: وعلى ذلك يدل قوله - صلى الله عليه وسلم - أنه يقال له: سل تُعْطَ اشفع تشفع قل يسمع منك، كما في حديث الشفاعة الثابت في الصحيح، وقيل: الشفاعة في قوم استوجبوا النار فيشفع في عدم دخولهم إياها، وقيل: في إدخال قوم الجنة بغير حساب. وهاتان الشفاعتان مختصتان به، ولهذا قال بعض العلماء: إن الذي يختص به - صلى الله عليه وسلم - من الشفاعة ثلاثة: وهي الشفاعة في إراحة الناس وهي المقام المحمود، ولا خلاف فيها ولا في اختصاصها به لقوله: أنا لها. . . الحديث، الثانية: الشفاعة في قوم استوجبوا النار كما تقدم فلا يدخلونها، والثالثة: في عدم محاسبة بعض أمته، وزاد بعضهم الشفاعة للكافر، وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>