للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شفاعته في تخفيف العذاب عن أبي طالب، لكنها ليست مرادة هنا. وأما الشفاعة في رفع الدرجات فليست خاصة به، وكذا الشفاعة في إخراج العصاة من الموحدين من النار، فإن الأكثرين على أنها عامة. وقيل: إخراج من في قلبه أدنى مثقال ذرة من خير خاص به، لأن غيره إنما يشفع لمن كان عمل صالحًا، والذي يقطع بخصوصيته هي الشفاعة العظمى، والأدلة ظاهرة في ذلك غير أن قوله: "لكل نبي دعوى مستجابة دعا بها على قومه وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي". يدل على أن له شفاعة لأمته خاصة به في مقابل هذه الدعوة، وهذا يدل على أنها غير الشفاعة العامة، إن هذه خاصة للأمة لا لغيرها. وقد قال عم جدنا علامة زمانه المختار بن بون في قصيدته الرائية:

وخمس شفاعات ومنها تخصه ... شفاعته الكبرى إذا فدح الأمر

وقوله: (لم يعط نبي) أي لم يعط نبي ما أعطيته منها، والمراد بالإعطاء: الوعد من الله بذلك لأنه ثابت محقق. وقوله: (وبعثت إلى الناس كافة) أي جميعًا، وأصل اللفظ من ألفاظ التوكيد كما في الرواية الأخرى: إلى الناس عامة، وكلا اللفظين من ألفاظ توكيد العموم، قال ابن مالك -رحمه الله-:

واستعملوا أيضًا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافلة

وقيل: إن كافة مأخوذ من كفَّ الثوب: إذا أخذه من جميع أطرافه، وهذا نص في عموم رسالته وأنها غير مختصة بقومه، بل عمت الثقلين الجن والإنس. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}، وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولا غيرهما ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلَّا دخل النار"، وقال -عز وجل-: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} إلى غير ذلك مما دل على عموم رسالته - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة) أي كان كل واحد من الأنبياء إنما يبعث إلى قومه دون غيرهم، ولا يعارض ذلك أن نوحًا أرسل إلى الموجودين في زمانه لأنه لم يكن في زمانه غير قومه، ولهذا قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}، وهكذا قال في غيره من الرسل فسوّى بينه وبين غيره من الرسل في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>