للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكذا روى ابن إسحاق قال: حدثني محمَّد بن السائب الكلبي عن أبي صالح باذان عن أم هانئ بنت أبي طالب في مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت تقول: ما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا، ثم ذكرت الحديث، وقد روى الحافظ البيهقي من طرق عن جماعة من التابعين عن علي وابن مسعود وابن عباس أنه كان في بيت أم هانئ راقدًا وقد صلى العشاء الآخرة فذكر الحديث، وعند البيهقي من رواية أبي هارون العبدي -قال ابن كثير: وهو ضعيف- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له أصحابه: يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها، قال: قال الله -عز وجل-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. . .} الآية. قال: فأخبرهم، قال: فبينا أنا نائم عشاءً في المسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني، وذكر الحديث بطوله، وفي رواية لأنس عند البزار في مسنده: (بينا أنا نائم إذ جاء جبريل -عليه السلام- فوكز بين كتفي فقمت) فذكر الحديث، وفي مرسل الحسن عند ابن إسحاق أن جبريل أخرجه إلى المسجد فأركبه البراق. قلت: وهذا يرشد إلى طريق الجمع بين الروايات، والأولى في الجمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بيت أم هانئ وهو بشعب أبي طالب أي: أبيها، فجاءه الملك فأخرجه إلى المسجد وهو بين النائم واليقظان، ثم أيقظه من المسجد وشقّ صدره وحمله على البراق، فيكون البيت لأم هانئ وأضافه إلى نفسه لأنه كان نائمًا فيه، أما قول ابن حجر -رحمه الله- أنه كان يسكنه؛ ففيه بُعْدٌ، وتقدم قولها: (نائم عندي تلك الليلة) لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسكن بيته، وكونه أسري به من الشعب يكون المراد به ابتداء مجيء الملائكة للإسراء به من هذا البيت وهو في الشعب، وأما نفس الإسراء -أعني الشروع في السفر وركوب البراق- فإن ذلك من المسجد كما هو ظاهر الآية، قال تعالى: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وحقيقة المسجد هو المكان المعروف دون سائر مكة، وإطلاقه في بعض الأحيان على الحرم كله أو على مكة من تسمية الشيء باسم جزئه، وهو نوع من المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة ووجود دليل يدل عليه كما هو معلوم، وأما قوله -عليه السلام-: (بينا أنا نائم). وقوله: (بين النائم واليقظان) فلا تعارض بينهما، لأن نومه -عليه السلام- كان على ذلك الحال تنام عينه ولا ينام قلبه

<<  <  ج: ص:  >  >>