وإذا حضرَ قاضِي بلدِ الغائبِ ببلدِ الحاكمِ فشافههُ بحكمِهِ فهو شاهدٌ على الحكمِ، وذاكَ لا يحصلُ به العلمُ المُجوِّزُ للقضاءِ؛ لأنَّ القاضِي في غيرِ محلِّ ولايتِهِ كالمعزولِ، ولو ناداهُ في طرفي ولايتهما ففي إمضائِهِ الخلافُ في القضاءِ بالعلمِ.
قال شيخُنا: وهذا أولي بتخريجِهِ على القضاءِ بالعلمِ دونَ ما ذكرَ في الصورةِ قبلَهُ لما قدَّمناه، ولنا أَنْ نمنعَ التخريجَ في هذه أيضًا؛ لأنَّ إخبارَ الحاكمِ في طرفِ ولايتِهِ للحاكمِ في طرفِ ولايتِهِ لم تكملْ فيه ولايةُ كلٍّ منهما في الموضعينِ، وإذا لمْ تكمُلْ ولايةُ كلٍّ منهما في الموضعينِ، فالحاصلُ للحاكمِ السامعِ مجردُ علمٍ، لو سلمَ ذلك فيكونُ أحقَّ بالتخريجِ على القضاءِ بالعلمِ من التصويرِ قبلَهُ، ولِمانعٍ أن يمنعَ التخريجَ المذكور؛ لأنَّ المستندَ لم يسمعْهُ ممن هو في محلِّ ولايتِه، فأشبَه ما لو شهدَ الشهودُ وهم في غيرِ ولايتِهِ، وهو في طرفِ ولايتِهِ سامعٌ لما شهدِ الشُّهودُ بهِ. انتهى.
ولو اجتمعا في محلِّ ولايتهما، وشافَهَ أحدُهما الآخرَ بحكمٍ حكم به أمضاهُ، وإن اقتصرَ الحاكمُ على سماعِ بينةٍ، كتبَ:"سمعتُ بينةً على فلانٍ". ويسميها إن لم يعدِّلْها، وإلَّا فالأصحُّ منعُ تركِ التسميةِ، بل قد نقلَهُ الإمامُ عن إجماعِ الأصحابِ.
وسماعُ البينةِ لا يُقبلُ على المنصوصِ إلَّا في مسافَةِ قبولِ شهادَةٍ على شهادَةٍ إذا سمع البينةَ وأثبت ما قامتْ بهِ، فأمَّا لو سمعَ البينةَ ولم يثبتْ ما قامتْ به فلا يقبلُ إلَّا في مسافةٍ تقبلُ فيها شهادَةٌ على شهادَةٍ بلا خلافٍ.