وحيثُ أوجبنا الإحضارَ فثبتت للمدعِي استقرَّت مؤنته على المدَّعَى عليهِ إذا لم يكنِ المدَّعِي قد قامَ بها استقلالًا من غيرِ طريقٍ يقتضي إلزامِ المدعَى عليهِ بها، فإن جرَى ذلكَ لم تستقرَّ المؤنةُ على المدعَى عليهِ، وإنما تظهرُ فائدةُ الاستقرارِ إذا قامَ بها المدَّعَى عليه بمقتضَى إلزامِهِ بإحضارِ المدعي به، أو حصلَ إقراض على ذلكَ بطريقٍ معتبرٍ.
* * *
فرع: الغائبُ بمسافةٍ قريبةٍ كحاضرٍ، فلا تسمعُ دَعْوَى عليهِ ولا بينةٌ ولا يحكمُ بغيرِ حضورِهِ إلَّا التواريه أو تعززه، والمشهورُ جواز سماعِ الدعوَى على الغائبٍ، وسماع البينةِ والقضاءِ عليه في قصاصٍ، وحدِّ قذفٍ في غير من له إسقاطه باللعان، فأمَّا مَن له إسقاطُه باللعانِ فلا يجوزُ أن يقضى عليه بحدِّ القذفِ في غيبتهِ، لتمكُّنِهِ من إسقاطِهِ، ولو سمع بينةً على غائبٍ فقدم قبلَ الحُكمِ لم يستعدها إذا لم يتحقَّقْ كونُهُ من الحاضِرينَ عندَ الدَّعْوَى، وسماعِ البينةِ، فإنْ تحقَّقَ ذلكَ وجبَ استعادتُهما.
وكذلكَ الحكمُ إذا قدمَ بعدَ الحُكمِ وتحقَّقَ أنَّهُ كانَ حاضرًا عندما ذكر من سمع الدَّعوى، وسمع البينةَ والحكمَ فإنَّه يجبُ استعادةُ ذلكَ أيضًا، وإن تحقَّقَ حضورُهُ عندَ الحكمِ دونَ سماعِ الدَّعوى وسماعِ البينةِ أعادَ الحكم لوقوعِه بغير شرطِهِ وجبتْ؛ لم تجبِ الاستعادةُ أخبره ومكَّنه من الجرح.
ولو عزلَ بعد سماعِ بينةٍ ثم ولي وجبتِ الاستعادَةُ إن لم يحكمْ بقبولِ البينةِ، فإن حكمَ بقبولِ قولِ البينةِ من غيرِ أن يحكمَ بالإلزامِ بالحقِّ فلا تجبُ الاستعادَةُ إذا عزلَ ثمَّ وليَ، وإذا استعدى على حاضرٍ بالبلدِ أحضرَهُ إن لم يعلمِ القاضِي كذبَهُ، ولا يلزم القاضي الحكم بينه وبين خصمِهِ، وأن يمكنَ