متقدمي أصحابنا أتقن وأثبت من نقل الخراسانيين غالبًا، والخراسانيون أحسن تصرفًا وتفريعًا وترتيبًا غالبًا.
وقد توجت الطريقة الثالثة الجامعة بين العراقيين والخراسانيين بظهور الإمامين الجليلين: الرافعي، والنووي، اللذين قاما بأكبر دور في تحرير المذهب وإرساء قواعده، وبظهورهما دخل المذهب في دوره الثالث. . دور التحرير والتنقيح. على أنه يمكن اعتبار كتاب "المهذب" لأبي إسحاق الشيرازي، و"الوسيط" لأبي حامد الغزالي، أكثر الكتب اعتبارًا وتمثيلًا للمذهب عند علماء الفترة السابقة لظهور النووي الذي يقول في هذين الكتابين: ثم إن أصحابنا المصنفين رضي اللَّه عنهم أجمعين أكثروا التصانيف كما قدمنا، وتنوعوا فيها كما ذكرنا، واشتهر منها لتدريس المدرسين وبحث المشتغلين: كتاب "المهذب" للعالم العلامة شيخ المذهب أبي إسحاق الشيرازي، وكتاب الوسيط لحجة الإِسلام أبي حامد محمد ابن محمد الغزالي، وقد أصبح دروس وبحث المحصلين المحققين، وحفظ الطلاب المعتنين فيما مضى من الزمان، وفي هذه الأعصار في هذين الكتابين، لما فيهما من الفوائد والتحقيقات.
* المذهب يواصل مسيرة الانتشار:
في مطلع القرنين السابع والثامن ظهرت حركات علمية، ونشط فيها التأليف، وظهر علماء أفذاذ لهم قدم راسخ في علوم الحديث ورجاله، وفي التاريخ الإِسلامي، وفي الفقه الإِسلامي، لا سيما في المذهب الشافعي، فأكثر فيه العلماء الذين بلغوا القمة من الفقه والتحصيل، الاستنباط، وأدركوا أسرار الشريعة، وأتقنوا أحكام الفقه، واستوعبوا النصوص الشرعية، وضبطوا قواعد الاستنباط والتعليل، وجلسوا للتدريس في كل من الشام ومصر والحجاز والعراق، فتهافت عليهم طلاب العلم والمعرفة من كل جانب، وأخذوا يؤلفون الكتب في الحديث والفقه والتفسير والتاريخ, ويظهر أن هذا النشاط كان تعويضا لما فقدته المكتبة