والفقه في الدين: هو الفقه في كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، والفقه في سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو الفقه في الإِسلام، من جهة أصل الشريعة، ومن جهة أحكام اللَّه التي أمرنا بها، ومن جهة ما نهانا عنه سبحانه وتعالى، ومن جهة البصيرة بما يجب على العبد من حق اللَّه وحق عباده، ومن جهة خشية اللَّه وتعظيمه ومراقبته، فإن رأس العلم خشية اللَّه سبحانه وتعالى، وتعظيم حرماته، ومراقبته عَزَّ وَجَلَّ فيما يأتي العبد ويذر.
وبما ذكرنا يعرف المؤمن فضل فقهاء الإِسلام، وأنهم قد أوتوا خيرًا كثيرًا، وقد فازوا بحظ عظيم من أسباب السعادة وطرق الهداية؛ لأن العلم النافع من أسباب الهداية، ومن حرم العلم حرم خيرًا كثيرًا، ومن رزق العلم النافع فقد رزق أسباب السعادة، إذا عمل بذلك واتقى اللَّه في ذلك.
وعلى رأس العلماء بعد الرسل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإفهم هم الفقهاء على الكمال، الذين تلقوا العلم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتفقهوا في كتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونقلوا ذلك إلى من بعدهم غضًّا طريًّا، تفقهوا وعملوا، ونقلوا العلم إلى من بعدهم من التابعين، نقلوا كتاب اللَّه إلى من بعدهم لفظًا وتفسيرًا وقراءة إلى غير ذلك، ونقلوا إلى من بعدهم أيضًا ما بينه لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام من معنى كلام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ونقلوا أيضًا لمن بعدهم أحاديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- التي سمعوها منه، والتي رأوها منه عليه الصلاة والسلام، والتي أقرهم عليها، نقلوها إلى من بعدهم بغاية الأمانة والصدق، نقلوها إلى الأمة بواسطة الثقات من التابعين، حتى نقلت إلينا بالطرق المحفوظة الثابتة التي لا يتطرق إليها الشك، نقلها الثقات عن الثقات، والثقات عن الثقات، حتى وصلت إلى هذا القرن وما بعد.
وهذا من إقامة الحجة من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ على عباده، فإن نقل العلم من طرق الثقات عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم عن الصحابة إلى من بعدهم، إقامة للحجة، وإيضاح للمحجة، ودعوة إلى الحق، وتحذير من الباطل، وتبصير للعباد بما خلقوا له من عبادة اللَّه وطاعته جل وعلا.