للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأيضًا: فإن هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة، وإضمارَ ما هو من أكبر الكبائر، فلا تنقلب الكبيرة مباحةً بإخراجها في صورة البيع الذي لم يُقصَد نقل الملك فيه أصلًا، وإنما قُصِد حقيقة الربا.

وأيضًا: فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام، فإن الشريعة لا تأتي بإباحتها أصلًا، لأن إباحتها وتحريمَ الغاية جمعٌ بين النقيضين، فلا يتصور أن تُباح (١) ويُحرَّم ما تُفضِي إليه، بل لا بد من تحريمهما أو إباحتهما، والثاني باطل قطعًا فيتعيّن الأول.

وأيضًا: فإن الشارع إنما حرَّم الربا، وجعله من الكبائر، وتوعَّد آكِلَه بمحاربة الله ورسوله، لما فيه من أعظم الفساد والضرر، فكيف يُتصوَّر مع هذا أن يبيح هذا الفساد العظيم بأيسر شيءٍ يكون من الحِيَل؟! فيالله العجب! أتُرى هذه الحيلة أزالت تلك المفسدة العظيمة، وقلبتها مصلحةً بعد أن كانت مفسدة؟

وأيضًا: فإن الله سبحانه عاقب أهل الجنة الذين أقسموا ليَصرِمُنَّها مُصبِحين (٢)، وكان مقصودهم منع حق الفقراء من المتساقط وقت الجِذاذ، فلما قصدوا منع حقهم منعهم الله الثمرة جملة. ولا يقال: فالعقوبة إنما كانت على ترك الاستثناء وحده (٣)، لوجهين:


(١) أي الطريقُ المفضية إلى الحرام. وفي الطبعتين: «يُباح»، وزاد الفقي بعده: «شيءٌ»!
(٢) كما قصَّ الله خبرهم في سورة القلم (١٧ - ٣٣).
(٣) على قول من فسّر: {وَلَا يَسْتَثْنُونَ} بأنهم لم يقولوا: إن شاء الله. انظر: «زاد المسير» (٨/ ٣٣٥ - ٣٣٦).